والإيواء : جعل الغير أويا أي راجعا إلى الذي يجعله فيؤول معناه إلى الحفظ والرعاية .
والتأييد : التقوية أي جعل الشيء ذا أيد أي ذا قدرة على العمل لأن اليد يكنى بها عن القدرة قال تعالى ( واذكر عبدنا داود الأيد ) .
وجملة ( ورزقكم من الطيبات ) إدماج بذكر نعمة توفير الرزق في خلال المنة بنعمة النصر وتوفير العدد بعد الضعف والقلة فان الأمن ووفرة العدد يجلبان سعة الرزق .
ومضمون هذه الآية صادق أيضا على المسلمين في كل عصر من عصور النبوة والخلافة الراشدة فجماعتهم لم تزل في ازدياد عزة ومنعة ولم تزل منصورة على الأمم العظيمة التي كانوا يخافونها من قبل أن يؤمنوا فقد نصرهم الله على هوازن يوم حنين ونصرهم على الروم يوم تبوك ونصرهم على الفرس يوم القادسية وعلى الروم في مصر وفي برقة وفي أفريقية وفي بلاد الجلالقة وفي بلاد الفرنجة من اوروبا . فلما زاغ المسلمون وتفرقوا أخذ أمرهم يقف ثم ينقبض ابتداء من ظهور الدعوة العباسية وهي أعظم تفرق وقع في الدولة الإسلامية .
وقد نبههم الله تعالى بقوله ( لعلكم تشكرون ) فلما أعطوا حق الشكر دام أمرهم في تصاعد وحين نسوه اخذ أمرهم في تراجع ولله عاقبة الأمور .
ولم يزل النبي A ينبه المسلمين بالموعظة أن لا يحيدوا عن أسباب بقاء عزهم وفي الحديث عن حذيفة بن اليمان قال " قلت يا رسول الله إنا كنا في جاهلية وشر فجاءنا الله بهذا الخير فهل بعد هذا الخير من شر " قال نعم " قلت وهل بعد ذلك الشر من خير قال نعم وفيه دخن " الحديث وفي الحديث الآخر " بدئ هذا الدين غريبا وسيعود كما بدئ " .
( يا أيها الذين أمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أمنتكم وأنتم تعلمون [ 27 ] واعلموا أنما أمولكم وأولدكم فتنة وأن الله عنده أجر عظيم [ 28 ] ) استئناف خطاب للمؤمنين يحذرهم من العصيان الخفي بعد أن أمرهم بالطاعة والاستجابة لله ولرسوله A حذرهم من أن يظهروا الطاعة والاستجابة في ظاهر أمرهم ويبطنوا المعصية والخلاف في باطنه . ومناسبته لما قبله ظاهرة وان لم تسبق من المسلمين خيانة وإنما هو تحذير .
وذكر الواحدي في أسباب النزول وروى جمهور المفسرين وأهل السير عن الزهري والكلبي وعبد الله بن أبي قتادة أنها نزات في أبي لبابة بن عبد المنذر الأنصاري لما حاصر المسلمون بني قريظة فسلألت بنو قريظة الصلح فقال رسول الله A " تنزلون على حكم سعد بن معاذ " فأبوا وقالوا " أرسل إلينا أبا لبابة " فبعث رسول الله A إليهم أبا لبابة وكان ولده وعياله وماله عندهم فلما جاءهم قالوا له ما ترى أننزل على حكم سعد فأشار أبو لبابة بيده على حلقه : أنه الذبح ثم فطن أنه قد خان الله ورسوله فنزلت فيه هذه الآية وهذا الخبر لم يثبت في الصحيح ولكنه اشتهر بين أهل السير والمفسرين فإذا صح وهو الأقرب كانت الآية مما نزل بعد زمن طويل من وقت نزول الآيات التي قبلها المتعلقة باختلاف المسلمين في أمر الأنفال فان بين الحادثتين نحوا من ثلاث سنين ويقرب هذا ما أشرنا إليه آنفا من انتفاء وقوع خيانة لله ورسوله بين المسلمين .
والخون والخيانة : إبطال ونقض ما وقع عليه تعاقد من دون إعلان بذلك النقض قال تعالى ( وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء ) والخيانة ضد الوفاء قال الزمخشرى " وأصل معنى الخون النقص كما أن أصل الوفاء التمام ثم استعمل الخون في ضد الوفاء لأنك إذا خنت الرجل في شيء فقد أدخلت عليه النقصان فيه " أي واستعمل الوفاء في الإتمام بالعهد لأن من أنجز بما عاهد عليه فقد أتم عهده فلذلك يقال : أوفى بما عاهد عليه .
فالإيمان والطاعة لله ورسوله عهد بين المؤمن وبين الله ورسوله فكما حذروا من المعصية العلنية حذروا من المعصية الخفية .
A E