ولا يصح جعل جملة ( لا تصيبن ) جوابا للأمر في قوله ( واتقوا فتنة ) لأنه يمنع منه قوله ( الذين ظلموا منكم خاصة ) وإنما كان يجوز لو قال ( لا تصيبنكم ) كما يظهر بالتأمل . وقد أبطل في مغني اللبيب جعل ( لا ) نافية هنا ورد على الزمخشري تجويزه ذلك .
و ( خاصة ) اسم فاعل مؤنث لجريانه على ( فتنة ) فهو منتصب على الحال من ضمير ( تصيبن ) وهي حال مفيدة لأنها المقصود من التحذير .
وافتتاح جملة ( واعلموا أن الله شديد العقاب ) بفعل الأمر بالعلم للاهتمام لقصد شدة التحذير كما تقدم آنفا في قوله ( واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه ) والمعنى أنه شديد العقاب لمن يخالف أمره وذلك يشمل من يخالف الأمر بالاستجابة .
( واذكروا إذ أنتم قليل مستضعفون في الأرض تخافون أن يتخطفكم الناس فأوبكم وأيدكم بنصره ورزقكم من الطيبات لعلكم تشكرون [ 26 ] ) عطف على الأمر بالاستجابة لله فيما يدعوهم إليه وعلى إعلامهم بأن الله لا تخفى عليه نياتهم وعلى التحذير من فتنة الخلاف على الرسول A تذكيرهم بنعمة الله عليهم بالعزة والنصر بعد الضعف والقلة والخوف ليذكروا كيف يسر الله لهم أسباب النصر من غير مظانها حتى أوصلهم إلى مكافحة عدوهم وأن يتقي أعداؤهم بأسهم فكيف لا يستجيبون لله فيما يعد ذلك وهم قد كثروا وعزوا وانتصروا فالخطاب للمؤمنين يومئذ ومجيء هذه الخطابات بعد وصفهم بالذين آمنوا إيماء إلى أن الإيمان هو الذي ساق لهم هذه الخيرات كلها وأنه سيكون هذا أثره فيهم كلما احتفظوا عليه كفوه من قبل سؤالهم ومن قبل تسديد حالهم فكيف لا يكونون بعد ترفه حالهم أشد استجابة وأثبت قلوبا .
وفعل ( واذكروا ) مشتق من الذكر " بضم الذال " وهو التذكر لا ذكر اللسان أي تذكروا .
و ( إذ ) اسم زمان مجرد عن الظرفية فهو منصوب على المفعول به أي اذكروا زمن كنتم قليلا .
وجملة ( أنتم قليل ) مضاف إليها ( إذ ) ليحصل تعريف المضاف وجيء بالجملة اسمية للدلالة على ثبات وصف القلة والاستضعاف فيهم .
وأخبر ب ( قليل ) وهو مفرد عن ضمير الجماعة لأن قليلا وكثيرا قد يجيئان غير مطابقين لما جريا عليه كما تقدم عند قوله تعالى ( معه ربيون كثير ) في سورة آل عمران .
والأرض يراد بها الدنيا كما تقدم عند قوله تعالى ( ولا تفسدوا في الأرض ) في سورة الأعراف فالتعريف شبيه بتعريف الجنس أو أريد بها ارض مكة فالتعريف للعهد والمعنى تذكير المؤمنين بأيام إقامتهم بمكة قليلا مستضعفين بين المشركين فانهم كانوا حينئذ طائفة قليلة العدد قد جفاهم قومهم وعادوهم فصاروا لا قوم لهم وكانوا على دين لا يعرفه أحد من أهل العالم فلا يطمعون في نصر موافق لهم في دينهم وإذا كانوا كذلك وهم في مكة فهم كذلك في غيرها من الأرض فئاواهم الله بان صرف أهل مكة عن استيصالهم ثم بأن قيض الأنصار أهل العقبة الأولى وأهل العقبة الثانية فأسلموا وصاروا أنصارا لهم بيثرب ثم أخرجهم من مكة إلى بلاد الحبشة فئاواهم بها ثم أمرهم بالهجرة إلى يثرب فئاواهم بها ثم صار جميع المؤمنين بها أعداء للمشركين فنصرهم هنالك على المشركين يوم بدر فالله الذي يسر لهم ذلك كله قبل أن يكون لهم فيه كسب أو تعمل أفلا يكون ناصرا لهم بعد أن ازدادوا وعزوا وسعوا للنصر بأسبابه وأفلا يستجيبونهم له إذا دعاهم لما يحييهم وحالهم اقرب إلى النصر منها يوم كانوا قليلا مستضعفين .
والتخطف شدة الخطف والخطف الأخذ بسرعة وقد تقدم عند قوله تعالى ( يكاد البرق يخطف أبصارهم ) وهو هنا مستعار للغلبة السريعة لأن الغلبة شبه الأخذ فإذا كانت سريعة أشبهت الخطف قال تعالى ( ويتخطف الناس من حولهم ) أي يأخذكم أعداؤكم بدون كبرى مشقه ولا طول محاربة إذ كنتم لقمة سايغة لهم وكانوا أشد منكم قوة لولا أن الله صرفهم عنكم وقد كان المؤمنون خائفين في مكة وكانوا خائفين في طرق هجرتيهم وكانوا خائفين يوم بدر حتى أذاقهم الله نعمة الأمن من بعد النصر يوم بدر .
و ( الناس ) مراد بهم ناس معهودون وهم الأعداء المشركون من أهل مكة وغيرهم أي طائفة معروفة من جنس الناس من العراب الموالين لهم .
وما رزقهم الله من الطيبات : هي الأموال التي غنموها يوم بدر .
A E