هو لأبي الأسود الدؤلي وأنه اتبع استعمال القرآن وأن نسبته إلى أسماء بن خارجة الفزازي أو إلى حاتم الطائي غير صحيحة .
A E والعفو الصفح عن ذنب المذنب وعدم مؤاخذته بذنبه وقد تقدم عند قوله تعالى ( ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو وقوله فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره ) في سورة البقرة والمراد به هنا ما يعم العفو عن المشركين وعدم مؤاخذتهم بجفائهم ومساءتهم الرسول والمؤمنين .
وقد عمت الآية صور العفو كلها : لأن التعريف في العفو تعريف الجنس فهو مفيد للاستغراق إذا لم يصلح غيره من معنى الحقيقة والعهد فأمر الرسول A بأن يعفو ويصفح وذلك بعدم المؤاخذة بجفائهم وسوء خلقهم فلا يعاقبهم ولا يقابلهم بمثل صنيعهم كما قال تعالى ( فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم ) ولا يخرج عن هذا العموم من أنواع العفو أزمانه وأحواله إلا ما أخرجته الأدلة الشرعية مثل العفو عن القاتل غيلة ومثل العفو عن انتهاك حرمات الله والرسول أعلم بمقدار ما يخص من هذا العموم وقد يبينه الكتاب والسنة وألحق به ما يقاس على ذلك المبين وفي قوله ( وأمر بالعرف ) ضابط عظيم لمقدار تخصيص الأمر بالعفو .
ثم العفو عن المشركين المقصود هنا أسبق أفراد هذا العموم إلى الذهن من بقيتها ولم يفهم السلف من الآية غير العموم ففي صحيح البخاري عن ابن عباس قال " قدم عيينة بن حصن المدينة فنزل على ابن أخيه الحر بن قيس وكان الحر ابن قيس من النفر الذين يدنيهم عمر وكان القراء أصحاب مجالس عمرو ومشاورته فقال عيينة لابن أخيه لك وجه عند هذا الأمير فاستأذن لي عليه فاستأذن الحر لعيينة فأذن له عمر فلما دخل عليه قال " هيه يا بن الخطاب ما تعطينا الجزل . ولا تحكم بيننا بالعدل " فغضب عمر حتى هم أن يوقع به فقال له الحر " يا أمير المؤمنين أن الله قال لنبيه ( خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين ) وإن هذا من الجاهلين والله ما جاوزها عمر حين تلاها عليه وكان وقافا عند كتاب الله " وفيه عن عبد الله بن الزبير قال " ما أنزل الله ذلك إلا في أخلاق الناس " ومن قال أن هذه الآية نسختها آيات القتال فقد وهم : لأن العفو باب آخر وأما القتال فله أسبابه ولعله أراد من النسخ ما يشمل معنى البيان أو التخصيص في اصطلاح أصول الفقه .
و ( العرف ) اسم مرادف للمعروف من الأعمال وهو الفعل الذي تعرفه النفوس أي لا تنكره إذا خليت وشأنها بدون غرض لها في ضده وقد دل على مرادفته للمعروف قول النابغة : .
" فلا النكر معروف ولا العرف ضايع فقابل النكر بالعرف وقد تقدم بيانه عند قوله تعالى ( تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر ) في سورة آل عمران .
والأمر يشمل النهي عن الضد فان النهي عن المنكر أمر بالمعروف والأمر بالمعروف نهي عن المنكر لأن الأمر بالشيء نهي عن ضده فالاجتزاء بالأمر بالعرف عن النهي عن المنكر من الإيجاز وإنما اقتصر على الأمر بالعرف هنا : لأنه الأهم في دعوة المشركين لأنه يدعوهم إلى أصول المعروف واحدا بعد واحد كما ورد في حديث معاذ بن جبل حين أرسله إلى أهل اليمن فانه أمره أن يدعوهم إلى شهادة أن لا اله إلا الله ثم قال " فان هم طاعوا لك بذلك فأخبرهم أن الله فرض عليهم خمس صلوات " ولو كانت دعوة المشركين مبتدأه بالنهي عن المنكر لنفروا ولمل الداعي لان المناكير غالبة عليهم ومحدقة بهم ويدخل في الأمر بالعرف الاتسام به والتخلق بخلقه : لأن شأن الأمر بشيء أن يكون متصفا بمثله وإلا فقد تعرض للاستخفاف على أن الأمر يبدأ بنفسه فيأمرها كما قال أبو الأسود : .
يا أيها الرجل المعلم غيره ... هلا لنفسك كان ذا التعليم على أن خطاب القرآن الناس بأن يأمروا بشيء يعتبر أمرا للمخاطب بذلك الشيء وهي المسألة المترجمة في أصول الفقه بأن الأمر بالأمر بالشيء هو أمر بذلك الشيء .
والتعريف في ( العرف ) كالتعريف في ( العفو ) يفيد الاستغراق .
وحذف مفعول الأمر لإفادة عموم المأمورين ( والله يدعو إلى دار السلام ) أمر الله رسوله بأن يأمر الناس كلهم بكل خير وصلاح فيدخل في هذا العموم المشركون دخولا أوليا لأنهم سبب الأمر بهذا العموم أي لا يصدنك إعراضهم عن إعادة إرشادهم وهذا كقوله تعالى ( فأعرض عنهم وعظهم ) .
A E