وجملة ( وهو يتولى الصالحين ) معترضة والواو اعتراضية .
A E ومجيء المسند فعلا مضارعا لقصد الدلالة على استمرار هذا التولي وتجدده وانه سنة إلهية فكما تولى النبي يتولى المؤمنين أيضا وهذه بشارة للمسلمين المستقيمين على صراط نبيهم A بان ينصرهم الله كما نصر نبيه وأولياءه .
والصالحون هم الذين صلحت أنفسهم بالإيمان والعمل الصالح .
وجملة ( والذين تدعون من دونه ) عطف على جملة ( إن وليي الله ) وسلوك طريق الموصولية في التعبير عن الأصنام للتنبيه على خطا المخاطبين في دعائهم إياها من دون الله مع ظهور عدم استحقاقها للعبادة بعجزها عن نصر اتباعها وعن نصر أنفسها والقول في ( لا يستطيعون نصركم ولا أنفسهم ينصرون ) كالقول في نظيره السابق آنفا .
وأعيد لأنه هنا خطاب للمشركين وهنالك حكاية عنهم للنبي والمسلمين و إبانة المضادة بين شأن ولي المؤمنين وحال أولياء المشركين وليكون الدليل مستقلا في الموضعين مع ما يحصل في تكريره من تأكيد مضمونه .
( وإن تدعوهم إلى الهدى لا يسمعوا وتراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون [ 198 ] ) عطف على جملة ( والذين تدعون من دونه لا يستطيعون نصركم ) الآية أي قل للمشركين : وإن تدعوا الذين تدعون من دون الله إلى الهدى لا يسمعوا .
والضمير المرفوع للمشركين والضمير المنصوب عائد إلى الذين تدعون من دونه أي الأصنام .
والهدى على هذا الوجه ما فيه رشد ونفع للمدعو . وذكر ( إلى الهدى ) لتحقيق عدم سماع الأصنام وعدم إدراكها لأن عدم سماع دعوة ما ينفع لا يكون إلا لعدم الادإدراك .
ولهذا خولف بين قوله هنا ( لا يسمعوا ) وقوله في الآية السابقة ( لا يتبعوكم ) لأن الأصنام لا يتأتى منها الاتباع إذ لا يتأتى منها المشي الحقيقي ولا المجازي أي الامتثال .
والخطاب في قوله ( وتراهم ) لمن يصلح أن يخاطب فهو من خطاب غير المعين ومعنى ينظرون إليك على التشبيه البليغ أي تراهم كأنهم ينظرون إليك لأن صور كثير من الأصنام كان على صور الأناسي وقد نحتوا لها أمثال الحدق الناظرة إلى الواقف أمامها قال في الكشاف " لأنهم صوروا أصنامهم بصورة من قلب حدقته إلى الشيء ينظر إليه " .
( خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين [ 199 ] ) أشبعت هذه السورة من أفانين قوارع المشركين وعظتهم وإقامة الحجة عليهم وبعثتهم على التأمل والنظر في دلائل وحدانية الله وصدق رسوله A وهدى دينه وكتابه وفضح ضلال المشركين وفساد معتقدهم والتشويه بشركائهم وقد تخلل ذلك كله لتسجيل بمكابرتهم والتعجيب منهم كيف يركبون رؤوسهم وكيف يناوون بجانبهم وكيف يصمون أسماعهم ويغمضون أبصارهم عما دعوا إلى سماعه وإلى النظر فيه ونظرت أحوالهم بأحوال الأمم الذين كذبوا من قبلهم وكفروا نعمة الله فحل بهم ما حل من أصناف العذاب وأنذر هؤلاء بأن يحل بهم ما حل بأولئك ثم أعلن باليأس من ارعوائهم وبانتظار ما سيحل بهم من العذاب بأيدي المؤمنين وبتثبيت الرسول والمؤمنين وتبشيرهم والثناء على ما هم عليه من الهدى فكان من ذلك كله عبرة للمتبصرين ومسلاة للنبي وللمسلمين وتنويه بفضلهم وإذ قد كان من شأن ذلك أن يثير في أنفس المسلمين كراهية أهل الشرك وتحفزهم للانتقام منهم ومجافاتهم والإعراض عن دعائهم إلى الخير لا جرم شرع في استئناف غرض جديد يكون ختاما لهذا الخوض البديع وهو غرض أمر الرسول والمؤمنين بقلة المبالاة بجفاء المشركين وصلابتهم وبأن يسعوهم من عفوهم والدأب على محاولة هديهم والتبليغ إليهم بقوله ( خذ العفو وأمر بالعرف ) الآيات .
والأخذ حقيقته تناول شيء للانتفاع به أو لاضراره كما يقال : أخذت العدو من تلأبيبه ولذلك يقال في الأسير أخيذ ويقال للقوم إذا أسروا أخذوا واستعمل هنا مجازا فاستعير للتلبس بالوصف والفعل من بين أفعال لو شاء لتلبس بها فيشبه ذلك التلبس واختياره على تلبس آخر بأخذ شيء من بين عدة أشياء فمعنى خذ العفو : عامل به واجعله وصفا ولا تتلبس بضده . وأحسب استعارة الأخذ للعرف من مبتكرات القرآن ولذلك ارجع أن البيت المشهور وهو : .
خذي العفو مني تستديمي مودتي ... ولا تنطقي في سورتي حين أغضب