ووصف الأرجل ب ( يمشون ) والأيدي ب ( يبطشون ) والأعين ب ( يبصرون ) والآذان ب ( يسمعون ) أما لزيادة تسجيل العجز عليهم فيما يحتاج إليه الناصر وأما لأن بعض تلك الأصنام كانت مجعولة على صور الآدميين مثل هبل وذي الكفين وكعيب في صور الرجال ومثل سواع كان على صورة امرأة فإذا كان لأمثال أولئك صور أرجل وأيد وأعين وآذان فإنها عديمة العمل الذي تختص به الجوارح فلا يطمع طامع في نصرها وخص الأرجل والأيدي والأعين والآذان لأنها آلات العلم والسعي والدفع للنصر ولهذا لم يذكر الألسن لما علمت من أن الاستجابة مراد بها النجدة والنصرة ولم يكونوا يسألون عن سبب الاستنجاد ولكنهم يسرعون إلى الالتحاق بالمستنجد .
والمشي انتقال الرجلين من موضع انتقالا متواليا .
والبطش الأخذ باليد بقوة والإضرار باليد بقوة وقد جاء مضارعه بالكسر والضم على الغالب . وقراءة الجمهور بالكسر وقرأ أبو جعفر : بضم الطاء وهما لغتان .
( وأم ) حرف بمعنى أو يختص يعطف الاستفهام وهي تكون مثل ( أو ) لأحد الشيئين أو الأشياء وللتمييز بين الأشياء أو الإباحة أي الجمع بينها فإذا وقعت بعد همزة الاستفهام المطلوب بها التعيين كانت مثل ( أو ) التي للتخيير كقوله تعالى ( قل الله أذن لكم أم على الله تفترون ) أي عينوا أحدهما وإن وقعت بعد استفهام غير حقيقي كان بمعنى ( أو ) التي للإباحة وتسمى حينئذ منقطعة ولذلك يقولون إنها بمعنى ( بل ) الانتقالية وعلى كل حال فهي ملازمة لمعنى الاستفهام فكلما وقعت في الكلام قدر بعدها استفهام فالتقدير هنا بل ألهم أيد يبطشون بها بل ألهم أعين يبصرون بها بل ألهم آذان يسمعون بها .
وترتيب هذه الجوارح الأربع على حسب ما في الآية ملحوظ فيه أهميتها بحسب الغرض الذي هو النصر والنجدة فان الرجلين تسرعان إلى الصريخ قبل التأمل واليدين تعملان عمل النصر وهو الطعن والضرب وأما الأعين والآذان فإنهما وسيلتان لذلك كله فأخرا وإنما قدم ذكر الأعين هنا على خلاف معتاد القرآن في تقديم السمع على البصر كما سبق في أول سورة البقرة لأن الترتيب هنا كان بطريق الترقي .
( قل ادعوا شركاءكم ثم كيدون فلا تنظرون [ 195 ] ) إذن من الله لرسوله بأن يتحداهم بأنهم أن استطاعوا استصرخوا أصنامهم لتتألب على الكيد للرسول عليه السلام والمعنى ادعوا شركاءكم لينصركم علي فتستريحوا مني .
والكيد الإضرار الواقع في صورة عدم الإصرار كما تقدم عند قوله تعالى آنفا ( وأملي لهم أن كيدي متين ) .
والأمر والنهي في قوله ( كيدون فلا تنظرون ) للتعجيز .
وقوله ( فلا تنظرون ) تفريع على الأمر بالكيد أي فإذا تمكنتم من إضراري فأعجلوا ولا تؤجلوني .
وفي هذا التحدي تعريض بأنه سيبلغهم وينتصر عليهم ويستأصل آلهتهم وقد تحداهم بأتم أحوال النصر وهي الاستنصار بأقدر الموجودات في اعتقادهم وأن يكون الأضرار به خفيا وأن لا يتلوم له ولا ينتظر فإذا لم يتمكنوا من ذلك كان انتفاؤه أدل على عجزهم وعجز آلهتهم .
وحذفت ياء المتكلم من ( كيدون ) في حالتي الوقف والوصل في قراءة الجمهور غير أبي عمرو وأما ( تنظرون ) فقرأه الجميع : بحذف الياء إلا يعقوب أثبتها وصلا ووقفا وحذف ياء المتكلم بعد نون الوقاية جد فصيح .
( إن وليي الله الذي نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين [ 196 ] والذين تدعون من دونه لا يستطيعون نصركم ولا أنفسهم ينصرون [ 197 ] ) هذا من المأمور بقوله وفصلت هذه الجملة عن جملة ( ادعوا شركاءكم ) لوقوعها موقع العلة لمضمون التحدي في قوله ( ادعوا شركاءكم ) الآية الذي هو تحقق عجزهم عن كيده فهذا تعليل لعدم الاكتراث بتألبهم عليه واستنصارهم بشركائهم ولثقته بأنه منتصر عليهم بما دل عليه الأمر والنهي التعجيزيان . والتأكيد لرد الإنكار .
والولي الناصر والكافي وقد تقدم عند قوله تعالى ( قل أغير الله أتخذ وليا ) .
وإجراء الصفة لاسم الله بالموصولية لما تدل عليه الصلة من علاقات الولاية فإن إنزال الكتاب عليه وهو أمي دليل اصطفائه وتوليه .
والتعريف في الكتاب للعهد أي الكتاب الذي عهدتموه وسمعتموه وعجزتم عن معارضته وهو القرآن أي المقدار الذي نزل منه إلى حد نزول هذه الآية