هذه الجملة على الوجه الأول في كون المخاطب بقوله ( وإن تدعوهم إلى الهدى لا يتبعوكم ) الآية النبي E والمسلمين أن تكون استئنافا ابتدائيا انتقل به إلى مخاطبة المشركين ولذلك صدر بحرف التوكيد لأن المشركين ينكرون مساواة الأصنام إياهم في العبودية وفيه الالتفات من الغيبة إلى الخطاب .
والمراد بالذين تدعون من دون الله : الأصنام فتعريفها بالموصول لتنبيه المخاطبين على خطإ رأيهم في دعائهم إياها من دون الله في حين هي ليست أهلا لذلك فهذا الموصول كالموصول في قول عبدة بن الطبيب .
إن الذين ترونهم إخوانكم ... يشفي غليل صدورهم أن تصرعوا ويجيء على الوجه الثاني في الخطاب السابق : أن تكون هذه الجملة بيانا وتعليلا لجملة ( وإن تدعوهم إلى الهدى لا يتبعوكم ) أي لأنهم عباد أي مخلوقون .
و ( العبد ) اصله المملوك ضد الحر كما في قوله تعالى ( الحر بالحر والعبد بالعبد ) وقد أطلق في اللسان على المخلوق : كما في قوله تعالى ( إن كل من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمان عبدا ) ولذلك يطلق العبيد على الناس والمشهور أنه لا يطلق إلا على المخلوقات من الآدميين فيكون إطلاق العباد على الأصنام كإطلاق ضمير جمع العقلاء عليها بناء على الشائع في استعمال العرب يومئذ من الإطلاق وجعله صاحب الكشاف إطلاق تهكم واستهزاء بالمشركين يعني أن قصارى أمرهم بأن يكونوا أحياء عقلاء فلو بلغوا تلك الحالة لما كانوا إلا مخلوقين مثلكم قال ولذلك ابطل أن يكونوا عبادا بقوله عقبه ( ألهم أرجل ) إلى آخره .
والأحسن عندي أن يكون إطلاق العباد عليهم مجازا بعلاقة الإطلاق عن التقييد روعي في حسنة المشاكلة التقديرية لأنه لما ماثلهم بالمخاطبين في المخلوقية وكان المخاطبون عباد الله أطلق العباد على مماثليهم مشاكلة .
وفرع على المماثلة أمر التعجيز بقوله ( فادعوهم ) فانه مستعمل في التعجيز باعتبار ما تفرع عليه من قوله ( فليستجيبوا لكم ) المتضمن إجابة الأصنام إياهم لأن نفس الدعاء ممكن ولكن استجابته لهم ليست ممكنة فإذا دعوهم فلم يستجيبوا لهم تبين عجز الآلهة عن الاستجابة لهم وعجز المشركين عن تحصيلها مع حرصهم على تحصيلها لإنهاض حجتهم فآل ظهور عجز الأصنام عن الاستجابة لعبادها إلى إثبات عجز المشركين عن نهوض حجتهم لتلازم العجزين قال تعالى أن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم .
والأظهر أن المراد بالدعوة المأمور بها الدعوة للنصر والنجدة كما قال وذاك المازنى إذا استجدوا لم يسألوا من دعائهم لأية حرب أم بأي مكان .
وبهذا يظهر أن أمر التعجيز كتابة عن ثبوت عجز الأصنام عن إجابتهم وعجز المشركين عن إظهار دعاء للأصنام تعقبه الاستجابة .
والأمر باللام في قوله ( فليستجيبوا ) أمر تعجيز للأصنام وهو أمر الغائب فان طريق أمر الغائب هو الأمر .
ومعنى توجيه أمر الغائب السامع أنه مأمور بأن يبلغ الأمر للغائب .
وهذا أيضا كناية عن عجز الأصنام عن الاستجابة لعجزها عن تلقي التبليغ من عبدتها .
وحذف متعلق صادقين لظهوره السياق أي صادقين في نسبة الآلهة للأصنام .
( ألهم أرجل يمشون بها أم لهم أيد يبطشون بها أم لهم أعين يبصرون بها أم لهم آذان يسمعون بها ) تأكيد لما تضمنته الجملة قبلها من أمر التعجيز وثبوت العجز لأنه إذا انتفت عن الأصنام أسباب الاستجابة تحقق عجزها عن الإجابة وتأكد معنى أمر التعجيز المكنى به عن عجز الأصنام وعجز عبدتها والاستفهام إنكاري وتقديم المسند على المسند إليه للاهتمام بانتفاء الملك الذي دلت عليه اللام كالتقديم في قول حسان : له همم لا منتهى لكبارها A E