وجملة ( وبذلك أمرت ) عطف على جملة ( إن صلاتي ) الخ . فهذا مما أمر بأن يقوله وحرف العطف ليس من المقول .
والإشارة في قوله : ( وبذلك ) إلى المذكور من قوله : ( إن صلاتي ونسكي ) الخ أي أن ذلك كان لله بهدي من الله وأمر منه فرجع إلى قوله : ( إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم ) يعني أنه كما هداه أمره بما هو شكر على تلك الهداية وإنما أعيد هنا لأنه لما أضاف الصلاة وما عطف عليها لنفسه وجعلها لله تعالى أعقبها بأنه هدي من الله تعالى وهذا كقوله تعالى : ( قل إني أمرت أن أعبد الله مخلصا له الدين وأمرت لأن أكون أول المسلمين ) .
وتقديم الجار والمجرور للاهتمام بالمشار إليه .
وقوله : ( وأنا أول المسلمين ) مثل قوله ( وبذلك أمرت ) خبر مستعمل في معناه الكنائي وهو لازم معناه يعني قبول الإسلام والثبات عليه والاغتباط به لأن من أحب شيئا أسرع إليه فجاءه أول الناس وهذا بمنزلة فعل السبق إذ يطلق في كلامهم على التمكن والترجح كما قال النابغة : .
سبقت الرجال الباهشين إلى العلا ... كسبق الجواد اصطاد قبل الطوارد لا يريد أنه كان في المعالي أقدم من غبره لأن في أهل المعالي من هو أكبر من سنا ومن نال العلا قبل أن يولد الممدوح ولكنه أراد أنه تمكن من نوال العلا وأصبح الحائز له والثابت عليه .
وفي الحديث : " نحن الآخرون السابقون يوم القيامة " . وهذا المعنى تأييس للمشركين من الطمع في التنازل لهم في دينهم ولو أقل تنازل . ومن استعمال ( أول ) في مثل هذا قوله تعالى : ( ولا تكونوا أول كافر به ) كما تقدم في سورة البقرة . وليس المراد معناه الصريح لقلة جدوى الخبر بذلك لأنكل داع إلى شيء فهو أول أصحابه لا محالة فماذا يفيد ذلك الأعداء والتباع فإن أريد بالمسلمين الذين اتبعوا حقيقة الإسلام بمعنى إسلام الوجه إلى الله تعالى لم يستقم لأن إبراهيم عليه السلام كان مسلما وكان بنوه مسلمين كما حكى الله عنهم إذ قال إبراهيم عليه السلام : ( فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون ) .
وقرأ نافع وأبو جعفر " بإثبات ألف " ( أنا ) إذا وقعت بعدها ويجري مدها على قاعدة المد وحذفها تخفيفا جرى عليه العرب في الفصيح من كلامهم نحو : ( أنا يوسف ) واختلفوا فيه قبل الهمزة نحو أنا أفعل وأحسب أن الفصح إثباتها مع الهمز للتمكن من المد .
A E ( قل أغير الله أبغي ربا وهو رب كل شيء ولا تكسب كل نفس إلا عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى ) استئناف ثالث مفتتح بالأمر بالقول يتنزل منزلة النتيجة لما قبله لأنه لما علم أن الله هداه إلى صراط مستقيم وأنقذه من الشرك وأمره بأن يمحض عبادته وطاعته لربه تعالى شكرا على الهداية أتبع ذلك بأن ينكر أن يعبد غير الله تعالى لأن واهب النعم هم مستحق الشكر والعبادة جماع مراتب الشكر وفي هذا رجوع إلى بيان ضلالهم إذ عبدوا غيره . وإعادة الأمر بالقول تقدم بيان وجهه .
والاستفهام إنكار عليهم لأنهم يرغبون أن يعترف بربوبية أصنامهم وقد حاولوا من ذلك غير مرة سواء كانوا حاولوا ذلك منه بقرب نزول هذه الآية أم لم يحاولوه فهم دائمون على الرغبة في موافقتهم على دينهم حكى ابن عطية عن النقاش أن الكفار قالوا للنبي A : " ارجع إلى ديننا واعبد آلهتنا ونحن نتكفل لك بكل تباعة تتوقعها في دنياك وآخرتك " وأن هذه الآية نزلت في ذلك .
وقدم المفعول على فعله لأنه المقصود من الاستفهام الإنكاري لأن محل الإنكار هو أن يكون غير الله يبتغى له ربا ولأن ذلك هو المقصود من الجواب إذا صح أن المشركين دعوا النبي A لعبادة آلهتهم فيكون تقديمه على الفعل للاهتمام لموجب أو لموجبين كما تقدم في قوله تعالى : ( قل أغير الله أتخذ وليا ) في هذه السورة