واللام في ( لله ) يجوز أن تكون للملك أيهي بتيسير الله فيكون بيانا لقوله ( إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم ) . ويجوز أن تكون اللام للتعليل أي لأجل الله جعل صلاته لله دون غيره تعريضا بالمشركين إذ كانوا يسجدون للأصنام . ولذلك أردف بجملة ( لا شريك له ) .
والنسك حقيقته العبادة ومنه يسمى العابد الناسك .
والمحيا والممات يستعملان مصدرين ميميين ويستعملان اسمي زمان من حيي ومات والمعنيان محتملان فإذا كان المراد من المحيا والممات المعنى المصدري كان المعنى على حذف مضاف تقديره : أعمال المحيا وأعمال الممات أي الأعمال التي من شأنها أن يتلبس بها المرء مع حياته ومع وقت مماته . وإذ كان المراد منهما المعنى الزمني كان المعنى ما يعتريه في الحياة وبعد الممات .
ثم إن أعمال الحياة كثيرة وفيرة وأما الأعمال عند الموت فهي ما كان عليه في مدة الحياة وثباته عليه لأن حالة الموت أو مدته هي الحالة أو المدة التي ينقلب فيها أحوال الجسم إلى صفة تؤذن بقرب انتهاء مدة الحياة وتلك حالة الاحتضار وتلك الحالة قد تؤثر انقلابا في الفكر أو استعجالا بما لم يكن يستعجل به الحي فربما صدرت عن صاحبها أعمال لم يكن يصدرها في مدة الصحة اتقاء أو حياء أو جلبا لنفع فيرى أنه قد يئس مما كان يراعيه فيفعل ما لم يكن يفعل وأيضا لتلك الحالة شؤون خاصة تقع عندها في العادة مثل الوصية وهذه كلها من أحوال آخر الحياة . ولكنها تضاف إلى الموت لوقوعها بقربه وبهذا يكون ذكر الممات مقصودا منه استيعاب جميع مدة الحياة حتى زمن الإشراف على الموت .
ويجوز أن يكون المراد من الممات ما يحصل للرسول E بعد وفاته من توجيهاته الروحية نحو أمته بالدعاء لهم والتسليم على من سلم عليه منهم والظهور لخاصة أمته في المنام فإن للرسول بعد مماته إحكام الحياة الروحية الكاملة كما ورد في الحديث : " إذا سلم علي أحد من أمتي رد الله علي روحي فرددت عليه السلام " وكذلك أعماله في الحشر من الشفاعة العامة والسجود لله في عرصات القيامة فتلك أعمال خاصة به A وهي كلها لله تعالى لأنها لنفع عبيده أو لنفع أتباع دينه الذي ارتضاه لهم فيكون قوله : ( ومماتي ) هنا ناظرا إلى قوله في الحديث : " حياتي خير لكم ومماتي خير لكم " .
A E ويجوز أن يكون معنى مماته لله الشهادة في سبيل الله فإن رسول الله A سمته اليهودية بخيبر في لحم شاة أطعموه إياه حصل بعض منه في إمعاءه . ففي الحديث " ما زالت أكلة خيبر تعتادني كل عام حتى كان هذا أوان قطع أبهري " .
وبقوله : ( ومحياي ومماتي لله رب العالمين ) تحقق معنى الإسلام الذي أصله الإلقاء بالنفس إلى المسلم له وهو المعنى الذي اقتضاه قوله : ( فقل أسلمت وجهي لله ومن اتبعني ) كما تقدم في سورة آل عمران وهو معنى الحنفية الذي حكاه الله تعالى عن إبراهيم عليه والسلام في قوله : ( إذ قال له ربه أسلم قال أسلمت لرب العالمين ) كما في سورة البقرة : وقوله : ( رب العالمين ) صفة تشير إلى سبب استحقاقه أن يكون عمل مخلوقاته له لا لغيره لأن ليس له عليهم نعمة الإيجاد كما أشار إليه قوله في أول السورة : ( الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون ) .
وجملة : ( لا شريك له ) حال من اسم الجلالة مصرحة بما أفاد جمع التوكيد مع لام الملك من إفادة القصر . والمقصود من الصفة والحال الرد على المشركين بأنهم ما أخلصوا عملهم للذي خلقهم . وبأنهم أشركوا معه غيره في الإلهية .
وقرأ نافع : ( ومحياي ) بسكون الياء الثانية إجراء للوصول مجرى الوقف وهو نادر في النثر والرواية عن نافع أثبتته في هذه الآية ومعلوم أنن الندرة لا تناكد الفصاحة ولا يريبك ما ذكره ابن عطية عن أبي علي الفارسي : " أنها شاذة عن القياس لأنها جمعت بين ساكنين لأن سكون الألف قبل حرف ساكن ليس مما يثقل في النطق نحو عصاي ورؤياي . ووجه إجراء الوصل مجرى الوقف هنا إرادة التخفيف لأن توالي يائين مفتوحتين فيه ثقل والألف الناشئة عن الفتحة الأولى لا تعد حاجزا فعدل عن فتح الياء إلى إسكانها " . وقرأ البقية " بفتح الياء " وروى ذلك عن ورش وقال بعض أهل القراءة أن نافعا رجع عن الإسكان إلى الفتح