وفهم من قوله ( إن عصيت ربي ) أن الآمر له بأن يكون أول من أسلم والناهي عن كونه من المشركين هو الله تعالى .
وفي العدول عن اسم الجلالة إلى قوله ( ربي ) إيماء إلى أن عصيانه أمر قبيح لأنه ربه فكيف يعصيه .
وأضيف العذاب إلى ( يوم عظيم ) تهويلا له لأن في معتاد العرب أن يطلق اليوم على يوم نصر فريق وانهزام فريق من المحاربين فيكون اليوم نكالا على المنهزمين إذ يكثر فيهم القتل والأسر ويسام المغلوب سوء العذاب فذكر ( يوم ) يثير من الخيال مخاوف مألوفة ولذلك قال الله تعالى ( فكذبوه فأخذهم عذاب يوم الظلة إنه كان عذاب يوم عظيم ) ولم يقل عذاب الظلة أنه كان عذابا عظيما . وسيأتي بيان ذلك مفصلا عند قوله تعالى ( يوم يجمعكم ليوم الجمع ذلك يوم التغابن ) في سورة التغابن وبهذا الاعتبار حسن جعل إضافة العذاب إلى اليوم العظيم كناية عن عظم ذلك العذاب لأن عظمة اليوم العظيم تستلزم عظم ما يقع فيه عرفا .
وقوله ( من يصرف عنه يومئذ فقد رحمه ) جملة من شرط وجزاء وقعت موقع الصفة ل ( عذاب ) .
و ( يصرف ) مبني للمجهول في قراءة الأكثر على أنه رافع لضمير العذاب أو لضمير ( من ) على النيابة عن الفاعل . والضمير المجرور ب ( عن ) عائد إلى ( من ) أي يصرف العذاب عنه أو عائد إلى العذاب أي من يصرف هو عن العذاب وعلى عكس هذا العود يكون عود الضمير المستتر في قوله ( يصرف ) .
وقرأه حمزة والكسائي وأبو بكر عن عاصم ويعقوب وخلف ( يصرف ) بالبناء للفاعل على أنه رافع لضمير ( ربي ) على الفاعلية .
أما الضمير المستتر في ( رحمه ) فهو عائد إلى ( ربي ) والمنصوب عائد إلى ( من ) على كلتا القراءتين .
ومعنى وصف العذاب بمضمون جملة الشرط والجزاء أي من وفقه الله لتجنب أسباب ذلك العذاب فهو قد قدر الله له الرحمة ويسر له أسبابها .
والمقصود من هذا الكلام إثبات مقابل قوله ( إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم ) كأنه قال : أرجو إن أطعته أن يرحمني ربي لأن من صرف عنه العذاب ثبتت له الرحمة . فجاء في إفادة هذا المعنى بطريقة المذهب الكلامي . وهو ذكر الدليل ليعلم المدلول . وهذا ضرب من الكناية وأسلوب بديع بحيث يدخل المحكوم له في الحكم بعنوان كونه فردا من أفراد العموم الذين ثبت لهم الحكم .
ولذلك عقبه بقوله ( وذلك الفوز المبين ) . والإشارة موجهة إلى الصرف المأخوذ من قوله ( من يصرف عنه ) أو إلى المذكور . وإنما كان الصرف عن العذاب فوزا لأنه إذا صرف عن العذاب في ذلك اليوم فقد دخل في النعيم في ذلك اليوم . قال تعالى ( فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز ) . و ( المبين ) اسم فاعل من أبان بمعنى بان .
( وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يمسسك بخير فهو على شيء قدير [ 17 ] ) عطف على الجمل المفتتحة بفعل ( قل ) فالخطاب للنبي A .
وهذا مؤذن بأن المشركين خوفوا النبي A أو عرضوا له بعزمهم على إصابته بشر وأذى فخاطبه الله بما يثبت نفسه وما بؤيس أعداءه من أن يستزلوه . وهذا كما حكي عن إبراهيم عليه السلام ( وكيف أخاف ما أشركتم ولا تخافون أنكم أشركتم بالله ما لم ينزل به عليكم سلطانا ) ومن وراء ذلك إثبات أن المتصرف المطلق في أحوال الموجودات هو الله تعالى بعد أن أثبت بالجمل السابقة أنه محدث الموجودات كلها في السماء والأرض فجعل ذلك في أسلوب تثبيت للرسول A على عدم الخشية من بأس المشركين وتهديدهم ووعيدهم ووعده بحصول الخير له من أثر رضى ربه وحده عنه وتحدي المشركين بأنهم لا يستطيعون إضراره ولا يجلبون نفعه . ويحصل منه رد على المشركين الذين كانوا إذا ذكروا بأن الله خالق السماوات والأرض ومن فيهن أقروا بذلك ويزعمون أن آلهتهم تشفع عند الله وأنها تجلب الخير وتدفع الشر فلما أبطلت الآيات السابقة استحقاق الأصنام الإلهية لأنها لم تخلق شيئا وأوجبت عبادة المستحق الإلهية بحق أبطلت هذه الآية استحقاقهم العبادة لأنهم لا يملكون للناس ضرا ولا نفعا كما قال تعالى ( قل أتعبدون من دون الله ما لا يملك لكم ضرا ولا نفعا ) وقال عن إبراهيم عليه السلام ( قال هل يسمعونكم إذ تدعون أو ينفعونكم أو يضرون ) .
A E