والسكون استقرار الجسم في مكان أي حيز لا ينتقل عنه مدة فهو ضد الحركة وهو من أسباب الاختفاء لأن المختفي يسكن ولا ينتشر . والأحسن عندي أن يكون هنا كناية عن الخفاء مع إرادة المعنى الصريح . ووجه كونه كناية أن الكلام مسوق للتذكير بعلم الله تعالى وأنه لا يخفى عليه شيء من أعمالكم ومحاسبكم عليها يوم يجمعكم إلى يوم القيامة فهو كقوله تعالى ( الله يعلم ما تحمل كل أنثى إلى أن قال ومن هو مستخف بالليل ) . فالذي سكن الليل والنهار بعض ما في السماوات والأرض فلما أعلمهم بأنه يملك ما في السماوات والأرض عطف عليه الإعلام بأنه يملك ما سكن من ذلك لأنه بحيث يغفل عن شمول ما في السماوات والأرض إياه لأن المتعارف بين الناس إذا أخبروا عن أشياء بحكم أن يريدوا الأشياء المعروفة المتداولة . فهذا من ذكر الخاص بعد العام لتقرير عموم الملك لله تعالى بأن ملكه شمل الظاهرات والخفيات ففي هذا استدعاء ليوجهوا النظر العقلي في الموجودات الخفية وما في إخفائها من دلالة على سعة القدرة وتصرفات الحكمة الإلهية .
A E و ( في ) للظرفية الزمانية وهي ظرف مستقر لأن فعل السكون لا يتعدى إلى الزمان تعدية الظرف اللغو كما يتعدى إلى المكان لو كان بمعنى حل واستقر وهو ما لا يناسب حمل معنى الآية عليه . والكلام تمهيد لسعة العلم لأن شأن المالك أن يعلم مملوكاته . وتخصيص الليل بالذكر لأن الساكن في ذلك الوقت يزداد خفاء فهو كقوله ( ولا حبة في ظلمات الأرض ) . وعطف النهار عليه لقصد زيادة الشمول لأن الليل لما كان مظنة الاختفاء فيه قد يظن أن العالم يقصد الاطلاع على الساكنات فيه بأهمية ولا يقصد إلى الاطلاع على الساكنات في النهار فذكر النهار لتحقيق تمام الإحاطة بالمعلومات .
وتقديم المجرور للدلالة على الحصر وهو حصر الساكنات في كونها له لا لغيره أي في كون ملكها التام له كما تقدم في قوله ( قل لمن ما في السماوات والأرض قل لله ) .
وقد جاء قوله ( وهو السميع العليم ) كالنتيجة للمقدمة لأن المقصود من الإخبار بأن الله يملك الساكنات التمهيد لإثبات عموم علمه وإلا فإن ملك المتحركات المتصرفات أقوى من ملك الساكنات التي لا تبدي حراكا فظهر حسن وقع قوله ( وهو السميع العليم ) عقب هذا .
والسميع : العالم العظيم بالمسموعات أو بالمحسوسات . والعليم : الشديد العلم بكل معلوم .
( قل أغير الله أتخذ وليا فاطر السماوات والأرض وهو يطعم ولا يطعم ) استئناف آخر ناشئ عن جملة ( قل لمن ما في السماوات والأرض قل لله ) .
وأعيد الأمر بالقول اهتماما بهذا المقول لأنه غرض آخر غير الذي أمر فيه بالقول قبله فإنه لما تقرر بالقول السابق عبودية ما في السماوات والأرض لله وأن مصير كل ذلك إليه انتقل إلى تقرير وجوب إفراده بالعبادة لأن ذلك نتيجة لازمه لكونه مالكا لجميع ما احتوته السماوات والأرض فكان هذا التقرير جاريا على طريقة التعريض إذ أمر الرسول E بالتبرؤ من أن يعبد غير الله . والمقصود الإنكار على الذين عبدوا غيره واتخذوهم أولياء كما يقول القائل بمحضر المجادل المكابر " لا أجحد الحق " لدلالة المقام على أن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يصدر منه ذلك كيف وقد علموا أنه دعاهم إلى توحيد الله من أول بعثته وهذه السورة ما نزلت إلا بعد البعثة بسنين كثيرة كما استخلصناه مما تقدم في صدر السورة . وقد ذكر ابن عطية عن بعض المفسرين أن هذا القول أمر به الرسول صلى الله عليه وسلم ليجيب المشركين الذين دعوه إلى عبادة أصنامهم أي هو مثل ما في قوله تعالى ( قل أفغير الله تأمروني أعبد أيها الجاهلون ) وهو لعمري مما يشعر به أسلوب الكلام وإن قال ابن عطية : إن ظاهر الآية لا يتضمنه كيف ولا بد للاستئناف من نكتة .
A E