القول العشرون قال التبريزي علم الله أن قوما سيقولون بقدم القرآن فأراهم أنه مؤلف من حروف كحروف الكلام وهذا وهم لأن تأليف الكلام من أصوات الكلمات أشد دلالة على حدوثه من دلالة الحروف المقطعة لقلة أصواتها .
القول الحادي والعشرون روي عن ابن عباس أنها ثناء أثنى الله به على نفسه وهو يرجع إلى القول الأول أو الثاني . هذا جماع الأقوال ولا شك أن قراءة كافة المسلمين إياها بأسماء حروف الهجاء مثل ألف . لام . ميم دون أن يقرأوا ألم وأن رسمها في الخط بصورة الحروف يزيف جميع أقوال النوع الأول ويعين الاقتصار على النوعين الثاني والثالث في الجملة على أن ما يندرج تحت ذينك النوعين متفاوت في درجات القبول فإن الأقوال الثاني والسابع والثامن والثاني عشر والخامس عشر والسادس عشر يبطلها أن هذه الحروف لو كانت مقتضبة من أسماء أو كلمات لكان الحق أن ينطق بسمياتها لا بأسمائها . فإذا تعين هذان النوعان وأسقطنا ما كان من الأقوال المندرجة تحتمها واهيا خلص أن الأرجح من تلك الأقوال ثلاثة : وهي كون تلك الحروف لتبكيت المعاندين وتسجيلا لعجزهم عن المعارضة أو كونها أسماء للسور الواقعة هي فيها أو كونها أقساما أقسم بها لتشريف قدر الكتابة وتنبيه العرب الأميين إلى فوائد الكتابة لإخراجهم من حالة الأمية . وأرجح هذه الأقوال الثلاثة هو أولها .
قال في الكشاف : ما ورد في هذه الفواتح من أسماء الحروف هو نصف أسامي حروف المعجم إذ هي أربعة عشر وهي : الألف واللام والميم والصاد والراء والكاف والهاء والياء والعين والطاء والسين والحاء والقاف والنون في تسع وعشرين سورة على عدد حروف المعجم وهذه الأربعة عشر مشتملة على أنصاف أجناس صفات الحروف ففيها من المهموسة نصفها : الصاد والكاف والهاء والسين والحاء ومن المجهورة نصفها : الألف واللام والميم والراء والعين والطاء والقاف والياء والنون ومن الشديدة نصفها : الألف والكاف والطاء والقاف ومن الرخوة نصفها : اللام والميم والراء والصاد والهاء والعين والسين والحاء والياء والنون . ومن المطبقة نصفها : الصاد والطاء . ومن المنفتحة نصفها : الألف واللام والميم والراء والكاف والهاء والعين والسين والقاف والياء والنون . ومن المستعلية نصفها القاف والصاد والطاء . ومن المستفلة نصفها : الألف واللام والميم والراء والكاف والهاء والياء والعين والسين والحاء والنون . ومن حروف القلقلة نصفها : القاف والطاء .
ثم إن الحروف التي ألغي ذكرها مكثورة بالمذكورة فسبحان الذي دقت في كل شيء حكمته اه وزاد البيضاوي على ذلك أصنافا أخرى من صفات الحروف لا نطيل بها فمن شاء فليراجعها . ومحصول كلامهما أنه قد قضي بذكر ما ذكر من الحروف وإهمال ذكر ما أهمل منها حق التمثيل لأنواع الصفات بذكر النصف وترك النصف من باب " وليقس ما لم يقل " لحصول الغرض وهو الإشارة إلى العناية بالكتابة وحق الإيجاز في الكلام .
فيكون ذكر مجموع هذه الفواتح في سور القرآن من المعجزات العلمية وهي المذكورة في الوجه الثالث من وجوه الإعجاز التي تقدمت في المقدمة العاشرة من مقدمات هذا التفسير .
وكيفية النطق أن ينطق بها موقوفة دون علامات إعراب على حكم الأسماء المسرودة إذ لم تكن معمولة لعوامل فحالها كحال الأعداد المسرودة حين تقول ثلاثه أربعه خمسه . وكحال أسماء الأشياء التي تملى على الجارد لها إذ تقول مثلا : ثوب بساط سيف دون إعراب ومن أعربها كان مخطئا . ولذلك نطق القراء بها ساكنة سكون الموقوف عليه فما كان منها صحيح الآخر نطق به ساكنا نحو ألف لام ميم . وما كان من أسماء الحروف ممدود الآخر نطق به في أوائل السور ألفا مقصورا لأنها مسوقة مساق المتهجي بها وهي في حالة التهجي مقصورة طلبا للخفة لأن التهجي إنما يكون غالبا لتعليم المبتدئ واستعمالها في التهجي أكثر فوقعت في فواتح السور مقصورة لأنها على نمط التعديد أو مأخوذة منه .
A E