وجيء بالموصول ( ما ) في قوله ( وما فيهن ) دون ( من ) لأن ( ما ) هي الأصل في الموصول المبهم فلم يعتبر تغليب العقلاء وتقديم المجرور ب ( على ) في قوله ( على كل شيء قدير ) للرعاية على الفاضلة المبنية على حرفين بينهما حرف مد . ( وما فيهن ) عطف على ( ملك ) أي لله ما في السماوات والأرض كما في سورة البقرة ( لله ما في السماوات وما في الأرض ) فيفيد قصرها على كونها لله لا لغيره . وليس معطوفا على السماوات والأرض إذ لا يحسن أن يقال : لله ملك ما في السماوات والأرض لأن الملك يضاف إلى الأقطار والآفاق والأماكن كما حكى الله تعالى ( أليس لي ملك مصر ) . ويضاف إلى صاحب الملك كما في قوله ( على ملك سليمان ) . ويقال : في مدة ملك الآشوريين أو الرومان .
بسم الله الرحمن الرحيم .
سورة الانعام .
ليس لهذه السورة إلا هذا الاسم من عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم . روى الطبراني بسنده إلى عبد الله بن عمر : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " نزلت علي سورة الأنعام جملة واحدة وشيعها سبعون ألفا من الملائكة لهم زجل بالتسبيح والتحميد " وورد عن عمر بن الخطاب وابن عباس وابن مسعود وأنس ابن مالك وجابر بن عبد الله وأسماء بنت يزيد بن السكن تسميتها في كلامهم سورة الأنعام . وكذلك ثبتت تسميتها في المصاحف وكتب التفسير والسنة .
وسميت سورة الأنعام لما تكرر فيها من ذكر لفظ الأنعام ست مرات من قوله : ( وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والأنعام نصيبا إلى قوله إذ وصاكم الله بهذا ) .
وهي مكية بالاتفاق فعن ابن عباس : أنها نزلت بمكة ليلا جملة واحدة كما رواه عنه عطاء وعكرمة والعوفي وهو الموافق لحديث ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم المتقدم آنفا . وروي أن قوله تعالى ( ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي ) الآية نزل في مدة حياة أبي طالب أي قبل سنة عشر من البعثة فإذا صح كان ضابطا لسنة نزول هذه السورة . وروى الكلبى عن ابن عباس : أن ست آيات منها نزلت بالمدينة ثلاثا من قوله ( وما قدروا لله حق قدره ) إلى منتهى ثلاث آيات وثلاثا من قوله ( قل تعالوا أتل حرم ربكم عليكم إلى قوله ذلكم وصاكم به لعلكم تذكرون ) . وعن أبي جحيفة أن آية ( ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة ) مدنية .
وقيل نزلت آية ( ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو قال أوحى الي ) الآية بالمدينة بناء على ما ذكر من سبب نزولها الآتي . وقيل : نزلت آية ( الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه ) الآية وآية ( فالذين آتيناهم الكتاب يؤمنون به ) الآية كلتاهما بالمدينة بناء على ما ذكر من أسباب نزولهما كما سيأتي . وقال ابن العربي في أحكام القرآن عند قوله تعالى ( قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما ) الآية أنها في قول الأكثر نزلت يوم نزول قوله تعالى ( اليوم أكملت لكم دينكم ) الآية أي سنة عشر فتكون هذه الآيات مستثناة من مكية السورة ألحقت بها . وقال ابن عطية في تفسير قوله تعالى ( وما قدروا الله حق قدره ) الآية من هذه السورة . إن النقاش حكى أن سورة الأنعام كلها مدنية . ولكن قال ابن الحصار : لا يصح نقل في شيء نزل من الأنعام في المدينة . وهذا هو الأظهر وهو الذي رواه أبو عبيد والبيهقي وابن مردويه والطبراني عن ابن عباس ؛ وأبو الشيخ عن أبي بن كعب .
وعن ابن عباس أنها نزلت بمكة جملة واحدة ودعا رسول اللهصلى الله عليه وسلم الكتاب فكتبوها من ليلتهم .
وروى سفيان الثوري وشريك عن أسماء بنت يزيد الأنصارية : نزلت سورة الأنعام على رسول الله صلى الله عليه وسلم جملة وهو في مسير وأنا آخذة بزمام ناقته إن كادت من ثقلها لتكسر عظام الناقة . ولم يعينوا هذا المسير ولا زمنه غير أن أسماء هذه لا يعرف لها مجيء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل هجرته ولا هي معدودة فيمن تابع في العقبة الثانية حتى يقال : إنها لقيته قبل الهجرة وإنما المعدودة أسماء بنت عمرو بن عدي . فحال هذا الحديث غير بين . ولعله التبس فيه قراءة السورة في ذلك السفر بأنها نزلت حينئذ