والذي يستخلص من أقوال العلماء بعد حذف متداخلة وتوحيد متشاكله يؤول إلى واحد وعشرين قولا ولشدة خفاء المراد من هذه الحروف لم أر بدا من استقصاء الأقوال على أننا نضبط انتشارها بتنويعها إلى ثلاثة أنواع : النوع الأول يرجع إلى أنها رموز اقتضبت من كلم أو جمل فكانت أسرارا يفتح غلقها مفاتيح أهل المعرفة ويندرج تحت هذا النوع ثمانية أقوال : الأول أنها علم استأثر ( الله تعالى ) به ونسب هذا إلى الخلفاء الأربعة في روايات ضعيفة ولعلهم يثبتون إطلاع الله على المقصود منها رسوله A وقاله الشعبي وسفيان . والثاني أنها حروف مقتضبة من أسماء وصفات لله تعالى المفتتحة بحروف مماثلة لهذه الحروف المقطعة رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس وقاله محمد بن القرظي أو الربيع ابن أنس ( فالم ) مثلا . الألف إشارة إلى أحد أو أول أو أزلي واللام إلى لطيف والميم إلى ملك أو مجيد ونحو ذلك وعلى هذا يحتاج في بيانها إلى توقيف وأنى لهم به الثالث أنها رموز لأسماء الله تعالى وأسماء الرسول عليه السلام والملائكة ( فالم ) مثلا الألف من الله واللام من جبريل والميم من محمد قاله الضحاك ولا بد من توقيف في كل فاتحة منها ولعلنا سننبه على ذلك في مواضعه الرابع جزم الشيخ محي الدين في الباب الثامن والتسعين والمائة في الفصل 27 منه من كنابه الفتوحات أن هاته الحروف المقطعة في أوائل السور أسماء للملائكة وأنها إذا تليت كانت كالنداء لملائكتها فتصغي أصحاب تلك الأسماء إلى ما يقوله التالي بعد النطق بها فيقولون صدقت إن كان ما بعدها خبر ويقولون هذا مؤمن حقا نطق حقا وأخبر بحق فيستغفرون له وهذا لم يقله غيره وهو دعوى . الخامس أنها رموز كلها لأسماء النبي A وأوصافه خاصة قاله الشيخ محمد بن صالح المعروف بابن ملوكة التونسي في رسالة له قال إن كل حرف من حروف الهجاء في فواتح السور مكنى به عن طائفة من أسماء الكريمة وأوصافه الخاصة فالألف مكنى به عن جملة أسمائه المفتتحة بالألف كأحمد وأبي القاسم واللام مكنى به عن صفاته مثل لب الوجود والميم مكنى به عن محمد ونحوه مثل مبشر ومنذر فكلها منادى بحرف نداء مقدر بدليل ظهور ذلك الحرف في يس . ولم يعز هذا القول إلى أحد وعلق على هذه الرسالة تلميذه شيخ الإسلام محمد معاوية تعليقة أكثر فيها من التعداد وليست مما ينثلج لمباحثه الفؤاد " وهي وأصلها موجودة بخزنة جامع الزيتونة بتونس عدد 514 " ويرد هذا القول التزام حذف حرف النداء وما قاله من ظهوره في يس مبني على قول من قال إن يس بمعنى يا سيد وهو ضعيف ؛ لأن الياء فيه حرف من حروف الهجاء ولأن الشيخ نفسه عد يس بعد ذلك من الحروف الدالة على الأسماء مدلولا لنحو الياء من ( كهيعص ) القول السادس أنها رموز لمدة دوام هذه الأمة بحساب الجمل قاله أبو العالية أخذا بقصة رواها ابن إسحاق عن جابر بن عبد الله بن وثاب قال : " جاء أبو ياسر بن أخطب وحيي بن أخطب وكعب بن الأشرف فسألوا رسول الله عن الم وقالوا : هذا أجل هذه الأمة من السنين إحدى وسبعون سنة فضحك رسول الله وقال لهم ص والمر فقالوا اشتبه علينا الأمر فلا ندري أبا القليل نأخذ أم بالكثير " اه . وليس في جواب رسول الله إياهم بعدة حروف أخرى من هذه الحروف المتقطعة في أوائل السور تقرير لاعتبارها رموزا لأعداد مدة هذه الأمة وإنما أراد إبطال ما فهموه بإبطال أن يكون مفيدا لزعمهم على نحو الطريقة المسماة بالنقض في الجدل ومرجعها إلى المنع والمانع لا مذهب له . وأما ضحكه A فهو تعجب من جهلهم . القول السابع أنها رموز كل حرف رمز إلى كلمة فنحو ( الم ) أنا الله أعلم و ( المر ) أنا الله أرى و ( المص ) أنا الله أعلم وأفصل . رواه أبو الضحى عن ابن عباس ويوهنه أنه لا ضابط له لأنه أخذ مرة بمقابلة الحرف بحرف أول الكلمة ومرة بمقابلته بحرف وسط الكلمة أو آخرها . ونظروه بأن العرب قد تتكلم بالحروف المقطعة بدلا من كلمات تتألف من تلك الحروف نظما ونثرا من ذلك قول زهير : .
بالخير خيرات وإن شرفا ... ولا أريد الشر إلا إن تا أراد وإن شر فشر وأراد إلا أن تشا فأتى بحرف من كل جملة . وقال الآخر " قرطبي " : .
ناداهم ألا الجموا ألا تا ... قالوا جميعا كلهم ألا فا A E