وانتقل بهذه المناسبة إلى فضائل المسجد الحرام وبانيه ودعوته لذريته بالهدى والاحتراز عن إجابتها في الذين كفروا منهم وأن الإسلام على أساس ملة إبراهيم وهو التوحيد وأن اليهودية والنصرانية ليستا ملة إبراهيم وأن من ذلك الرجوع إلى استقبال الكعبة ادخره الله للمسلمين آية على أن الإسلام هو القائم على أساس الحنيفية وذكر شعائر الله بمكة وإبكات أهل الكتاب في طعنهم على تحويل القبلة وأن العناية بتزكية النفوس أجدر من العناية باستقبال الجهات ( ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ) . وذكروا بنسخ الشرائع لصلاح الأمم وأنه لا بدع في نسخ شريعة التوراة أو الإنجيل بما هو خير منهما .
ثم عاد إلى محاجة المشركين بالاستدلال بآثار صنعة الله ( إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك ) إلخ ومحاجة المشركين في يوم يتبرأون فيه من قادتهم وإبطال مزاعم دين الفريقين في محرمات من الأكل ( يأيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم ) وقد كمل ذلك بذكر صنف من الناس قليل وهم المشركون الذين لم يظهروا الإسلام ولكنهم أظهروا مودة المسلمين ( ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ) .
ولما قضي حق ذلك كله بأبدع بيان وأوضح برهان انتقل إلى قسم تشريعات الإسلام إجمالا بقوله ( ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ) ثم تفصيلا : القصاص الوصية الصيام الاعتكاف الحج الجهاد ونظام المعاشرة والعائلة المعاملات المالية والإنفاق في سبيل الله والصدقات والمسكرات واليتامى والمواريث والبيوع والربا والديون والإشهاد والرهن والنكاح وأحكام النساء والعدة والطلاق والرضاع والنفقات والأيمان .
وختمت السورة بالدعاء المتضمن لخصائص الشريعة الإسلامية وذلك من جوامع الكلم فكان هذا الختام تذييلا وفذلكة ( لله ما في السماوات وما في الأرض وإن تبدو ما في أنفسكم أو تخفوه ) الآيات .
وكانت في خلال ذلك كله أغراض شتى سبقت في معرض الاستطراد في متفرق المناسبات تجديدا لنشاط القارئ والسامع كما يسفر وجه الشمس إثر نزول الغيوث الهوامع وتخرج بوادر الزهر عقب الرعود القوارع من تمجيد الله وصفاته ( الله لا اله إلا هو ) ورحمته وسماحة الإسلام وضرب أمثال ( أو كصيب ) واستحضار نظائر ( وإن من الحجارة ) ( ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم ) وعلم وحكمة ومعاني الإيمان والإسلام وتثبيت المسلمين ( يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر ) والكمالات الأصلية والمزايا التحسينية وأخذ الأعمال والمعاني من حقائقها وفوائدها لا من هيئاتها وعدم الاعتداد بالمصطلحات إذا لم ترم إلى غايات ( وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها ) ( ليس البر أن تولوا وجوهكم ) ( وإخراج أهله منه أكبر عند الله ) والنظر والاستدلال ونظام المحاجة وأخبار الأمم الماضية والرسل وتفاضلهم واختلاف الشرائع .
( ألم [ 1 ] ) تحير المفسرون في محل هاته الحروف الواقعة في أول هاته السور وفي فواتح سور أخرى عدة جميعها تسع وعشرون سورة ومعظمها في السور المكية وكان بعضها في ثاني سورة نزلت وهي ( ن والقلم ) وأخلق بها أن تكون مثار حيرة ومصدر أقوال متعددة وأبحاث كثيرة ومجموع ما وقع من حروف الهجاء أوائل السور أربعة عشر حرفا وهي نصف حروف الهجاء وأكثر السور التي وقعت فيها هذه الحروف : السور المكية عدا البقرة وآل عمران والحروف الواقعة في السور هي ا ح ر س ص ط ع ق ك ل م ن ه ي بعضها تكرر في سور وبعضها لم يتكرر وهي من القرآن لا محالة ومن المتشابه في تأويلها .
A E