( يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برءوسكم وأرجلكم إلى الكعبين وإن كنتم جنبا فاطهروا وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون [ 6 ] ) إذا جرينا على ما تحصحص لدينا وتمحص : من أن سورة المائدة هي من آخر السور نزولا وأنها نزلت في عام حجة الوداع جزمنا بأن هذه الآية نزلت هنا تذكيرا بنعمة عظيمة من نعم التشريع : وهي منة شرع التيمم عند مشقة التطهر بالماء فجزمنا بأن هذا الحكم كله مشروع من قبل وإنما ذكر هنا في عداد النعم التي امتن الله بها على المسلمين فإن الآثار صحت بأن الوضوء والغسل شرعا مع وجوب الصلاة وبأن التيمم شرع في غزوة المريسيع سنة خمس أو ست . وقد تقدم لنا في تفسير قوله تعالى ( يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى ) في سورة النساء الخلاف في أن الآية التي نزل فيها شرع التيمم أهي آية سورة النساء أم آية سورة المائدة . وذكرنا هنالك أن حديث الموطأ من رواية مالك عن عبد الرحمان بن القاسم عن أبيه عن عائشة ليس فيه تعيين الآية ولكن سماها آية التيمم وأن القرطبي اختار أنها آية النساء لأنها المعروفة بآية التيمم وكذلك اختار الواحدي في أسباب النزول وذكرنا أن صريح رواية عمرو بن حريث عن عائشة : أن الآية التي نزلت في غزوة المريسيع هي قوله تعالى ( يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة ) الآية كما أخرجه البخاري عن يحيى عن ابن وهب عن عمرو بن حريث عن عبد الرحمان بن القاسم ولا يساعد مختارنا في تاريخ نزول سورة المائدة فإن لم يكن ما في حديث البخاري سهوا من أحد رواته غير عبد الرحمان بن القاسم وأبيه أراد أن يذكر آية ( يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا ) وهي آية النساء فذكر آية ( يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم ) الآية . فتعين تأويله حينئذ بأن تكون آية ( يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة ) قد نزلت قبل نزول سورة المائدة ثم أعيد نزولها في سورة المائدة أو أمر الله أن توضع في هذا الموضع من سورة المائدة والأرجح عندي : أن يكون ما في حديث البخاري وهما من بعض رواته لأن بين الآيتين مشابهة .
فالأظهر أن هذه الآية أريد منها تأكيد شرع الوضوء وشرع التيمم خلفا عن الوضوء بنص القرآن لأن ذلك لم يسبق نزول قرآن فيه ولكنه كان مشروعا بالسنة . ولا شك أن الوضوء كان مشروعا من قبل ذلك فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصل صلاة إلا بوضوء . قال أبو بكر ابن العربي في الأحكام " لا خلاف بين العلماء في أن الآية مدنية كما أنه لا خلاف أن الوضوء كان مفعولا قبل نزولها غير متلو ولذلك قال علماؤنا : إن الوضوء كان بمكة سنة معناه كان بالسنة . فأما حكمه فلم يكن قط إلا فرضا " . وقد روى ابن إسحاق وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم لما فرض الله سبحانه عليه الصلاة ليلة الإسراء ونزل جبريل ظهر ذلك اليوم ليصلي بهم فهمز بعقبه فانبعث ماء وتوضأ معلما له وتوضا هو معه فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم . وهذا صحيح وإن كان لم يروه أهل الصحيح ولكنهم تركوه لأنهم لم يحتاجوا إليه اه .
وفي سيرة ابن إسحاق ثم انصرف جبريل فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم خديجة فتوضأ لها ليريها كيف الطهور للصلاة كما أراه جبريل اه . وقولهم : الوضوء سنة روي عن عبد الله بن مسعود . وقد تأوله ابن العربي بأنه ثابت بالسنة . قال بعض علمائنا : ولذلك قالوا في حديث عائشة : فنزلت آية التيمم ؛ ولم يقولوا : آية الوضوء ؛ لمعرفتهم إياه قبل الآية .
A E