والاضطرار : الوقوع في الضرورة وفعله غلب عليه البناء للمجهول وقد تقدم بيانه عند قوله تعالى ( ثم أضطره إلى عذاب النار ) في سورة البقرة .
A E والمخمصة : المجاعة اشتقت من الخمص وهو ضمور البطن لأن الجوع يضمر البطون وفي الحديث " تغدو خماصا وتروح بطانا " .
والتجانف : التمايل والجنف : الميل قال تعالى ( فمن خاف من موص جنفا ) الآية . والمعنى أنه اضطر غير مائل إلى الحرام من أخذ أموال الناس أو من مخالفة الدين . وهذه حال قصد بها ضبط حالة الاضطرار في الإقدام والإحجام فلا يقدم على أكل المحرمات إذا كان رائما بذلك تناولها مع ضعف الاحتياج ولا يحجم عن تناولها إذا خشي أن يتناول ما في أيدي الناس بالغصب والسرقة وهذا بمنزلة قوله ( فمن اضطر غير باغ ولا عاد ) أي غير باغ ولا عاد على الناس ولا على أحكام الدين .
ووقع قوله ( فإن الله غفور رحيم ) مغنيا عن جواب الشرط لأنه كالعلة له وهي دليل عليه والاستغناء بمثله كثير في كلام العرب وفي القرآن . والتقدير : فمن اضطر في مخمصة غير متجانف لإثم فله تناول ذلك إن الله غفور كما قال في الآية نظيرتها ( فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه إن الله غفور رحيم ) .
( يسئلونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات ) إن كان الناس قد سألوا عما أحل لهم من المطعومات بعد أن سمعوا ما حرم عليهم في الآية السابقة أو قبل أن يسمعوا ذلك وأريد جوابهم عن سؤالهم الآن فالمضارع مستعمل للدلالة على تجدد السؤال أي تكرره أو توقع تكرره . وعليه فوجه فصل جملة ( يسألونك ) أنها استئناف بياني ناشئ عن جملة ( حرمت عليكم الميتة ) وقوله ( فمن اضطر في مخصمة ) ؛ أو هي استئناف ابتدائي : للانتقال من بيان المحرمات إلى بيان الحلال بالذات وإن كان السؤال لم يقع وإنما قصد به توقع السؤال كأنه قيل : إن سألوك فالإتيان بالمضارع بمعنى الاستقبال لتوقع أن يسأل الناس عن ضبط الحلال لأنه مما تتوجه النفوس إلى الإحاطة به وإلى معرفة ما عسى أن يكون قد حرم عليهم من غير ما عدد لهم في الآيات السابقة وقد بينا في مواضع مما تقدم منها قوله تعالى ( يسألونك عن الأهلة ) في سورة البقرة : أن صيغة يسألونك في القرآن تحتمل الأمرين . فعلى الوجه الأول يكون الجواب قد حصل ببيان المحرمات أولا ثم ببيان الحلال أو ببيان الحلال فقط إذا كان بيان المحرمات سابقا على السؤال وعلى الوجه الثاني قد قصد الاهتمام ببيان الحلال بوجه جامع فعنون الاهتمام به بإيراده بصيغة السؤال المناسب لتقدم ذكره .
و ( الطيبات ) صفة لمحذوف معلوم من السياق أي الأطعمة الطيبة وهي الموصوفة بالطيب أي التي طابت . وأصل معنى الطيب معنى الطهارة والزكاء والوقع الحسن في النفس عاجلا وآجلا فالشيء المستلذ إذا كان وخما لا يسمى طيبا : لأنه يعقب ألما أو ضرا ولذلك كان طيب كل شيء أن يكون من أحسن نوعه وأنفعه . وقد أطلق الطيب على المباح شرعا ؛ لأن إباحة الشرع الشيء علامة على حسنه وسلامته من المضرة قال تعالى ( كلوا مما في الأرض حلالا طيبا ) . والمراد بالطيبات في قوله ( أحل لكم الطيبات ) معناها اللغوي ليصح إسناد فعل ( أحل ) إليها . وقد تقدم شيء من معنى الطيب عند قوله تعالى ( يا أيها الناس كلوا مما في الأرض حلالا طيبا ) في سورة البقرة ويجيء شيء منه عند قوله تعالى ( والبلد الطيب ) في سورة الأعراف .
و ( الطيبات ) وصف للأطعمة قرن به حكم التحليل فدل على أن الطيب علة التحليل وأفاد أن الحرام ضده وهو الخبائث كما قال في آية الأعراف في ذكر الرسول A " ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث " .
A E