وقد روي : أن هذه الآية في الكلالة نزلت في طريق حجة الوداع ولا يصح ذلك لأن حجة الوداع كانت في زمن البرد لأنه لا شك أن غزوة تبوك وقعت في وقت الحر حين طابت الثمار والناس يحبون المقام في ثمارهم وظلالهم وذلك يقتضي أن تكون غزوة تبوك في نحو شهر أغسطس أو اشتنبر وهو وقت طيب البسر والرطب وكانت سنة تسع وكانت في رجب ونزل فيها قوله تعالى ( وقالوا لا تنفروا في الحر ) . ثم كانت حجة أبي بكر في ذي القعدة من تلك السنة سنة تسع وذلك يوافق دجنبر . وكان حج رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة الوداع في ذي الحجة من سنة عشر فيوافق نحو شهر دجنبر أيضا .
وعن عمر بن الخطاب : أنه خطب فقال " ثلاث لو بينها رسول الله لكان أحب إلي من الدنيا وما فيها : الجد . والكلالة وأبواب الربا " . وفي رواية والخلافة . وخطب أيضا فقال : والله إني ما أدع بعدي شيئا هو أهم إلي من أمر الكلالة . وقال في مجمع من الصحابة : لأقضين في الكلالة قضاء تتحدث به النساء في خدورها . وأنه كتب كتابا في ذلك فمكث يستخير الله فيه فلما طعن دعا بالكتاب فمحاه .
وليس تحير عمر في أمر الكلالة بتحير في فهم ما ذكره الله تعالى في كتابه ولكنه في اندراج ما لم يذكره القرآن تحت ما ذكره بالقياس . وقد ذكر القرآن الكلالة في أربع آيات : آيتي هذه السورة المذكور فيها لفظ الكلالة وآية في أول هذه السورة وهي قوله ( فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث ) . وآية آخر الأنفال وهي قوله ( وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله ) عند من رأى توارث ذوي الأرحام . ولا شك أن كل فريضة ليس فيها ولد ولا والد فهي كلالة بالاتفاق فأما الفريضة التي ليس فيها ولد وفيها والد فالجمهور أنها ليست بكلالة . وقال بعض المتقدمين : هي كلالة .
وأمره بأن يجيب بقوله ( الله يفتيكم ) للتنويه بشأن الفريضة فتقديم المسند إليه للاهتمام لا للقصر إذ قد علم المستفتون أن الرسول لا ينطق إلا عن وحي فهم لما استفتوه فإنما طلبوا حكم الله فإسناد الإفتاء إلى الله تنويه بهذه الفريضة .
والمراد بالأخت هنا الأخت الشقيقة أو التي للأب في عدم الشقيقة بقرينة مخالفة نصيبها لنصيب الأخت للأم المقصودة في آية الكلالة الأولى . وبقرينة قوله ( وهو يرثها ) لأن الأخ للأم لا يرث جميع المال إن لم يكن لأخته للأم ولد إذ ليس له إلا السدس .
وقوله ( إن امرؤ هلك ) تقديره : إن هلك امرؤ فامرؤ مخبر عنه ب ( هلك ) في سياق الشرط وليس ( هلك ) بوصف ل ( امرؤ ) فلذلك كان الامرؤ المفروض هنا جنسا عاما .
وقوله ( وهو يرثها ) يعود الضمير فيه على لفظ ( امرؤ ) الواقع في سياق الشرط المفيد للعموم : ذلك أنه وقع في سياق الشرط لفظ ( امرؤ ) ولفظ ( أخ ) أو ( أخت ) وكلها نكرات واقعة في سياق الشرط فهي عامة مقصود منها أجناس مدلولاتها وليس مقصودا بها شخص معين قد هلك ولا أخت معينة قد ورثت فلما قال ( وهو يرثها ) كان الضمير المرفوع راجعا إلى ( امرؤ ) لا إلى شخص معين قد هلك ؛ إذ ليس لمفهوم اللفظ هنا فرد معين فلا يشكل عليك بأن قوله ( امرؤ هلك ) يتأكد بقوله ( وهو يرثها ) إذ كيف يصير الهالك وارثا . وأيضا كان الضمير المنصوب في ( يرثها ) عائدا إلى مفهوم لفظ أخت لا إلى أخت معينة إذ ليس لمفهوم اللفظ هنا فرد معين وعلم من قوله ( يرثها ) أن الأخت إن توفيت ولا ولد لها يرثها أخوها والأخ هو الوارث في هذه الصورة وهي عكس التي قبلها . فالتقدير : ويرث الأخت امرؤ إن هلكت أخته ولم يكن لها ولد . وعلم معنى الإخوة من قوله ( وله أخت ) وهذا إيجاز بديع ومع غاية إيجازه فهو في غاية الوضوح فلا يشكل بأن الأخت كانت وارثة لأخيها فكيف عاد عليها الضمير بأن يرثها أخوها الموروث وتصير هي موروثة لأن هذا لا يفرضه عالم بالعربية وإنما يتوهم ذلك لو وقع الهلك وصفا لامرئ ؛ بأن قيل : المرء الهالك يرثه وارثه وهو يرث وارثه إن مات وارثه قبله . والفرق بين الاستعمالين رشيق في العربية .
A E