و ( أما ) في قوله ( فإما الذين آمنوا بالله ) يجوز أن يكون للتفصيل : تفصيلا لما دل عليه ( يا أيها الناس ) من اختلاف الفرق والنزعات : بين قابل للبرهان والنور ومكابر جاحد ويكون معادل هذا الشق محذوفا للتهويل أي : وأما الذين كفروا فلا تسل عنهم ويجوز أن يكون ( أما ) لمجرد الشرط دون تفصيل وهو شرط لعموم الأحوال لأن ( أما ) في الشرط بمعنى " مهما يكن من شيء " وفي هذه الحالة لا تفيد التفصيل ولا تطلب معادلا .
والاعتصام : اللوذ والاعتصام بالله استعارة للوذ بدينه وتقدم في قوله ( واعتصموا بحبل الله جميعا ) في سورة آل عمران .
والإدخال في الرحمة والفضل عبارة عن الرضى .
وقوله ( ويهديهم إليه صراطا مستقيما ) : تعلق الجار والمجرور ب ( يهدي ) فهو ظرف لغو و ( صراطا ) مفعول ( يهدي ) والمعنى يهديهم صراطا مستقيما ليصلوا إليه أي إلى الله وذلك هو متمناهم إذ قد علموا أن وعدهم عنده .
( يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك وهو يرثها إن لم يكن لها ولد فإن كانتا اثنتين فلهما الثلثان مما ترك وإن كانوا إخوة رجالا ونساء فللذكر مثل حظ الأنثيين يبين الله لكم أن تضلوا والله بكل شيء عليم [ 176 ] ) لا مناسبة بين هذه الآية وبين اللاتي قبلها فوقوعها عقبها لا يكون إلا لأجل نزولها عقب نزول ما تقدمها من هذه السورة مع مناسبتها لآية الكلالة السابقة في أثناء ذكر الفرائض ؛ لأن في هذه الآية بيانا لحقيقة الكلالة أشار إليه قوله تعالى ( ليس له ولد ) وقد تقدم في أول السورة أنه ألحق بالكلالة المالك الذي ليس له والد وهو قول الجمهور ومالك بن أنس .
فحكم الكلالة قد بين بعضه في آية أول هذه السورة ثم إن الناس سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صورة أخرى من صور الكلالة . وثبت في الصحيح أن الذي سأله هو جابر بن عبد الله قال : عادني رسول الله وأبو بكر ماشيين في بني سلمة فوجداني مغمى علي فتوضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم وصب علي وضوءه فأفقت وقلت : كيف أصنع في مالي فإنما يرثني كلالة . فنزل قوله تعالى ( يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة ) الآية . وقد قيل : إنها نزلت ورسول الله صلى الله عليه وسلم متجهز لحجة الوداع في قضية جابر بن عبد الله .
فضمير الجماعة في قوله ( يستفتونك ) غير مقصود به جمع بل أريد به جنس السائلين على نحو : " ما بال أقوام يشترطون شروطا " وهذا كثير في الكلام . ويجوز أن يكون السؤال قد تكرر وكان آخر السائلين جابر بن عبد الله فتأخر الجواب لمن سأل قبله وعجل البيان له لأنه وقت الحاجة لأنه كان يظن نفسه ميتا من ذلك المرض وأراد أن يوصي بماله فيكون من تأخير البيان إلى وقت الحاجة .
والتعبير بصيغة المضارع في مادة السؤال طريقة مشهورة نحو : ( يسألونك عن الأهلة ويسألونك ماذا ينفقون ) . لأن شأن السؤال يتكرر فشاع إيراده بصيغة المضارع وقد يغلب استعمال بعض صيغ الفعل في بعض المواقع ومنه غلبة استعمال المضارع في الدعاء في مقام الإنكار : كقول عائشة " يرحم الله أبا عبد الرحمان " " تعني ابن عمر " وقولهم " يغفر الله له " . ومنه غلبة الماضي مع لا النافية في الدعاء إذا لم تكرر لا ؛ نحو ( فلا رجع ) . على أن الكلالة قد تكرر فيها السؤال قبل نزول الآية وبعدها . وقد قال عمر بن الخطاب : ما راجعت رسول الله في شيء مراجعتي إياه في الكلالة وما أغلظ لي رسول الله صلى الله عليه وسلم في شيء ما أغلظ لي فيها حتى طعن في نحري وقال يكفيك آية الصيف التي في آخر سورة النساء . وقوله ( في الكلالة ) يتنازعه في التعلق كل من فعل ( يستفتونك ) وفعل ( يفتيكم ) .
وقد سمى النبي صلى الله عليه وسلم هذه الآية بآية الصيف وعرفت بذلك كما عرفت آية الكلالة التي في أول السورة بآية الشتاء وهذا يدلنا على أن سورة النساء نزلت في مدة متفرقة من الشتاء إلى الصيف وقد تقدم هذا في افتتاح السورة .
A E