مع ما في تعريف ذلك اليوم بإضافته إلى الدين أي الجزاء من إدماج التنبيه على عدم حكم الله لأن إيثار لفظ الدين " أي الجزاء " للإشعار بأنه معاملة العامل بما يعادل أعماله المجزي عليها في الخير والشر وذلك العدل الخاص قال تعالى ( اليوم تجزى كل نفس بما كسبت لا ظلم اليوم ) فلذلك لم يقل ملك يوم الحساب فوصفه بأنه ملك يوم العدل الصرف وصف له بأشرف معنى الملك فإن الملوك تتخلد محامدهم بمقدار تفاضلهم في إقامة العدل وقد عرف العرب المدحة بذلك . قال النابغة يمدح الملك عمرو بن الحارث الغساني ملك الشام : .
وكم جزانا بأيد غير ظالمة ... عرفا بعرف وإنكارا بإنكار وقال الحارث بن حلزة يمدح الملك عمرو بن هند اللخمي ملك الحيرة : .
ملك مقسط وأفضل من يم ... شي ومن دون ما لديه القضاء وإجراء هذه الأوصاف الجليلة على اسمه تعالى إيماء بأن موصوفها حقيق بالحمد الكامل الذي أعربت عنه جملة ( الحمد لله ) لأن تقييد مفاد الكلام بأوصاف متعلق ذلك المفاد يشعر بمناسبة بين تلك الأوصاف وبين مفاد الكلام مناسبة تفهم من المقام مثل التعليل في مقام هذه الآية .
( إياك نعبد وإياك نستعين [ 5 ] ) إذا أتم الحامد حمد ربه يأخذ في التوجه إليه بإظهار الإخلاص له انتقالا من الإفصاح عن حق الرب إلى إظهار مراعاة ما يقتضيه حقه تعالى على عبده من إفراده بالعبادة والاستعانة فهذا الكلام استئناف ابتدائي .
ومفاتحة العظماء بالتمجيد عند التوجه إليهم قبل أن يخاطبوا طريقة عربية . روى أبو الفرج الأصفهاني عن حسان بن ثابت قال : كنت عند النعمان فنادمته وأكلت معه فبينا أنا على ذلك معه في قبة إذا دخل يرتجز حولها : .
أصم أم يسمع رب القبه ... يا أوهب الناس لعيسى صلبه .
ضرابة بالمشغر الأذبة ... ذات هباب في يديها خلبه في لاحب كأنه الأطبة فقال النعمان : أليس بأبي أمامة ؟ " كنية النابغة " قالوا : بلى قال : فأذنوا له فدخل .
والانتقال من أسلوب الحديث بطريق الغائب المبتدإ من قوله ( الحمد لله ) إلى قوله ( ملك يوم الدين ) إلى أسلوب طريق الخطاب ابتداء من قوله ( إياك نعبد ) إلى آخر السورة فن بديع من فنون نظم الكلام البليغ عند العرب وهو المسمى في علم الأدب العربي والبلاغة التفاتا . وفي ضابط أسلوب الالتفات رأيان لأئمة علم البلاغة : أحدهما رأى من عدا السكاكي من أئمة البلاغة وهو أن المتكلم بعد أن يعبر عن ذات بأحد طرق ثلاثة من تكلم أو غيبة أو خطاب ينتقل في كلامه ذلك فيعبر عن تلك الذات بطريق آخر من تلك الثلاثة وخالفهم السكاكي فجعل مسمى الالتفات أن يعبر عن ذات بطريق من طرق التكلم أو الخطاب أو الغيبة عادلا عن أحدهما الذي هو الحقيق بالتعبير في ذلك الكلام إلى طريق آخر منها .
ويظهر أثر الخلاف بين الجمهور والسكاكي في المحسن الذي يسمى بالتجريد في علم البديع مثل قول علقمة بن عبده في طالع قصيدته : .
" طحا بك قلب في الحسان طروب