قال ابن عباس مكثت سنين أريد أن أسأل عمر عن المرأتين اللتين تظاهرتا على رسول الله A ما يمنعني إلا مهابته ثم سألته فقال : هما حفصة وعائشة . ومعنى كون أسباب النزول من مادة التفسير أنها تعين على تفسير المراد وليس المراد أن لفظ الآية يقصر عليها ؛ لأن سبب النزول لا يخصص قال تقي الدين السبكي : وكما أن سبب النزول لا يخصص كذلك خصوص غرض الكلام لا يخصص كأن يرد خاص ثم يعقبه عام للمناسبة فلا يقتضي تخصيص العام نحو ( فلا جناح عليهما أن يصالحا بينهما صلحا والصلح خير ) . وقد يكون المروي في سبب النزول مبينا ومؤولا لظاهر غير مقصود فقد توهم قدامة بن مظعون من قوله تعالى ( ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا ) فاعتذر بها لعمر بن الخطاب في شرب قدامة خمرا روي أن عمر استعمل قدامة ابن مظعون على البحرين فقدم الجارود على عمر فقال : إن قدامة شرب فسكر فقال عمر : من يشهد على ما تقول ؟ قال الجارود : أبو هريرة يشهد على ما أقول وذكر الحديث فقال عمر : ياقدامة إني جالدك قال والله لو شربت كما يقولون ما كان لك أن تجلدني قال عمر : ولم ؟ قال لأن الله يقول ( ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح ) الخ فقال عمر : إنك أخطأت التأويل يا قدامة إذا اتقيت الله اجتنبت ما حرم الله . وفي رواية فقال : لم تجلدني ! بيني وبينك كتاب الله فقال عمر : وأي كتاب الله تجد أن لا أجلدك ؟ قال : إن الله يقول في كتابه ( ليس على الذين آمنوا ) إلى آخر الآية فأنا من الذين آمنوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا وأحسنوا شهدت مع رسول الله بدرا واحدا والخندق والمشاهد فقال عمر : ألا تردون عليه قوله ! فقال ابن عباس : إن هؤلاء الآيات أنزلن عذرا للماضين وحجة على الباقين فعذر الماضين بأنهم لقوا الله قبل أن تحرم عليهم الخمر وحجة على الباقين لأن الله يقول : ( يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر ) ثم قرأ إلى آخر الآية الأخرى فإن كان من الذين آمنوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا وآمنوا وأحسنوا فإن الله قد نهى أن يشرب الخمر قال عمر : صدقت الحديث .
وتشمل الآثار إجماع الأمة على تفسير معنى إذ لا يكون إلا عن مستند كإجماعهم على أن المراد من الأخت في آية الكلالة الأولى هي الأخت للأم وأن المراد من الصلاة في سورة الجمعة هي صلاة الجمعة وكذلك المعلومات بالضرورة كلها ككون الصلاة مرادا منها الهيئة المخصوصة دون الدعاء والزكاة المال المخصوص المدفوع .
وأما القراءات فلا يحتاج إليها إلا في حين الاستدلال بالقراءة على تفسير غيرها وإنما يكون في معنى الترجيح لأحد المعاني القائمة من الآية أو لاستظهار على المعنى فذكر القراءة كذكر الشاهد من كلام العرب ؛ لأنها إن كانت مشهورة فلا جرم أنها تكون حجة لغوية وإن كانت شاذة فحجتها لا من حيث الرواية لأنها لا تكون صحيحة الرواية ولكن من حيث إن قارئها ما قرأ بها إلا استنادا لاستعمال عربي صحيح إذ لا يكون القارئ معتدا به إلا إذا عرفت سلامة عربيته كما احتجوا على أن أصل ( الحمد لله ) أنه منصوب على المفعول المطلق بقراءة هارون العتكي ( الحمد لله ) بالنصب كما في الكشاف وبذلك يظهر أن القراءة لا تعد تفسيرا من حيث هي طريق في أداء ألفاظ القرآن بل من حيث أنها شاهد لغوي فرجعت إلى علم اللغة .
وأما أخبار العرب فهي من جملة أدبهم . وإنما خصصتها بالذكر تنبيها لمن يتوهم أن الاشتغال بها من اللغو فهي يستعان بها على فهم ما أوجزه القرآن في سوقها لأن القرآن إنما يذكر القصص والأخبار للموعظة والاعتبار لا لأن يتحادث بها الناس في الأسمار فبمعرفة الأخبار يعرف ما أشارت له الآيات من دقائق المعاني فنحو قوله تعالى ( ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا ) وقوله ( قتل أصحاب الأخدود ) يتوقف على معرفة أخبارهم عند العرب .
A E