- ولا تشربوا مسكرا .
وفي حديث مسلم عن بريدة : كنت نهيتكم عن الأشربة إلا في ظروف الأدم فاشربوا في كل ظرف شئتم من هذه الظروف وغيرها لأن الظرف لا يحل شيئا في الحقيقة ولا يحرم لكن بالجر إلى صورة المعصية يوجب الكراهة في قرب المعادة ولا تشربوا مسكرا أي ولو لم يكن خمرا .
وفي حديث مسلم عن بريدة : كنت نهيتكم عن الأشربة إلا في ظروف الأدم فاشربوا في كل وعاء غير أن لا تشربوا مسكرا .
وفي رواية ابن ماجه عن بريدة أيضا كنت نهيتكم عن الأوعية فانبذوا واجتنبوا كل مسكر .
( وفي رواية ) أي لأبي حنيفة عن بريدة ( أنه قال : " إنا نهيناكم عن ثلاث عن زيارة القبور فزوروها ونهيناكم أن تمسكوا لحوم الأضاحي فوق ثلاث أيام فامسكوها وتزودوا فإنما نهيناكم ليوسع غنيكم على فقيركم ونهيناكم أن تشربوا في الدباء ) أي النبيذ الكائن في الدباء بالمد والقصر .
وفي رواية نحوه وفيه : عن النبيذ أي نهيناكم عن الانتباذ في الدباء والختم والمزفت فاشربوا في كل ظرف ولا تشربوا مسكرا ( فاشربوا فيما بدا لكم ) أي ظهر عندكم من الظروف ( فإن الظرف ) أي جنسه ( لا يحل شيئا ولا يحرمه ولا تشربوا مسكرا ) فإن الله حرمه .
وبه ( عن علقمة عن ابن بريدة عن أبيه قال : خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلّم في جنازة ) أي معها ولأجلها ( فأتى قبر أمه فجاء ) أي فرجع ( وهو يبكي أشد البكاء حتى كادت نفسه تخرج من بين جنبيه ) أي من جميع أجزاء جسده والمعنى أنه قرب أن يموت من شدة حزنه ( قال ) : أي بريدة ( قلنا ) : أي نحن معشر الصحابة الحاضرين ( يا رسول الله ما يبكيك ) أي أي شيء سبب بكائك ؟ .
( قال : " استأذنت ربي قي زيارة قبر أم محمد " ) . فيه وضع الظاهر موضع المضمر أي قبر أمي ( فأذن لي ) ولعل الحكمة في إذنه ليكون سببا في تخفيف عذاب أمه ( واستأذنته في الشفاعة ) أي لرفع عذاب عنها من أجله ( فأبى علي ) أي لم يأذن ولم يقبل مني لقوله سبحانه : { إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء } ( 1 ) وهذا دليل صريح في أن أمه ماتت كافرة أنها في النار داخلة مخلدة وهو الذي اعتقده أبو حنيفة وذكره في فقهه الأكبر من أن والدي رسول الله صلى الله عليه وسلّم ماتا على الكفر وعارضه السيوطي في رسائل وأتى ببعض الدلائل مما ليس تحتها شيء من الطائل وقد جعلت رسالة مستقلة في تحقيق هذه المسألة وتدقيق ما يتعلق بها من الأدلة .
( وفي رواية لأبي حنيفة عن بريدة قال : استأذن النبي صلى الله عليه وسلّم ربه ) في زيارة قبر أمه ( فأذن له فانطلق وانطلق ) معه ( المسلمون حتى انتهوا إلى قريب من القبر فمكث المسلمون ) بضم الكاف وفتحه أي فلبثوا ( ومضى النبي صلى الله عليه وسلّم ) إلى زيارة قبر أمه فمكث طويلا أي زمانا أو مكثا ( ثم اشتد بكاؤه حتى ظننا أنه لا يسكن ) أي من البكاء ( فأقبل وهو يبكي فقال له عمر : ما أبكاك يا نبي الله بأبي أنت وأمي ) أي أفديك بهما ( قال : " استأذنت ربي في زيارة قبر أمي فأذن لي فاستأذنته في الشفاعة فأبى فبكيت رحمة لها ) أي بمقتضى الطبيعة ( وبكى المسلمون رحمة للنبي صلى الله عليه وسلّم ) أي بموجب الشريعة وهذا الحديث يبطل قول القائل : إنها من أهل الفترة وإنهم لا يعذبون في النار .
_________ .
( 1 ) النساء 48