" أن يسبقونا " أي يفوتونا يعنى أن الجزاء يلحقهم لا محالة وهم لم يطعموا في الفوت ولم يحدثوا به نفوسهم ولكنهم لغفلتهم وقلة فكرهم في العاقبة وإصرارهم على المعاصي : في صورة من يقدر ذلك ويطمع فيه . ونظيره " وما أنتم بمعجزين في الأرض " العنكبوت : 22 ، " ولا تحسبن الذين كفروا سبقوا إنهم لا يعجزون " الأنفال : 59 . فإن قلت : أين مفعولا حسب ؟ قلت : اشتمال صلة أن على مسند ومسند إليه سد مسد المفعولين ؛ كقوله تعالى : " أم حسبتم أن تدخلوا الجنة " البقرة : 214 ويجوز أن يضمن حسب معنى قدر وأم منقطعه . ومعنى الإضراب فيها : أن هذا الحسبان أبطل من الحسبان الأول لأن ذاك يقدر أنه لا يمتحن لإيمانه وهذا يظن أنه لا يجازى بمساويه " ساء ما يحكمون " بئس الذين يحكمونه حكمهم هذا . أو بئس حكما يحكمونه حكمهم هذا فحذف المخصوص بالذم .
" من كان يرجوا لقاء الله فإن أجل الله لأت وهو السميع العليم " لقاء الله : مثل للوصول إلى العاقبة من تلقى ملك الموت والبعث والحساب والجزاء : مثلت تلك الحال بحال عبد قدم على سيده بعد عهد طويل وقد اطلع مولاه على ما كان يأتى ويذر فإما أن يلقاه ببشر وتركيب لما رضى من أفعاله أو بضد ذلك لما سخطه منها فمعنى قوله : " من كان يرجوا لقاء ربه " : من كان يأمل تلك الحال . وأن يلقى فيها الكرامة من الله والبشر " فإن أجل الله " وهو الموت " لأت " لا محالة ؛ فليبادر العمل الصالح الذي يصدق رجاءه ويحقق أمله وكتسب به القربة عند الله والزلفى " وهو السميع العليم " الذي لا يخفى عليه شئ مما يقوله عباده ومما يفعلونه فهو حقيق بالتقوى والخشية . وقيل : " يرجوا " : يخاف من قول الهذلي في صفة عسال : إذا لسعته الدبر لم يرج لسعتها فإن قلت : فإن أجل الله لآت كيف وقع جوابا للشرط ؟ قلت : إذا علم أن لقاء الله عنيت به تلك الحال الممثلة والوقت الذي تقع فيه تلك الحال هو الأجل المضروب للموت : فكأنه قال : من كان يرجو لقاء الله فإن لقاء الله لآت لأن الجل واقع فيه اللقاء كما تقول : من كان يرجو لقاء الملك فإن يوم الجمعة قريب إذا علم أنه يقعد للناس يوم الجمعة .
" ومن جاهد فإنما يجاهد لنفسه إن الله لغني عن العالمين " ومن جاهد " نفسه في منعها ما تأمر به وحملها على ما تأباه " فإنما يجاهد " لها لأن منفعة ذلك راجعة إليها وإنما أمر الله D ونهى رحمة لعباده وهو الغني عنهم وعن طاعتهم .
" والذين ءامنوا وعملوا الصالاحات لنكفرن عنهم سيئاتهم ولنجزينهم أحسن الذي كانوا يعملون " إما أن يريد قوما مسلمين صالحين قد أساؤوا في بعض أعمالهم وسيئاتهم مغمورة بحسناتهم فهو يكفرها عنهم أي يسقط عقابها بثواب الحسنات ويجزيهم أحسن الذي كانوا يعملون أي أحسن جزاء أعمالهم : وإما قوما مشركين آمنوا وعملوا الصالحات فالله D يكفر سيئاتهم بأن يسقط عقاب ما تقدم لهم من الكفر والمعاصي ويجزيهم أحسن جزاء أعمالهم في الإسلام .
" ووصينا الإنسان بوالديه حسنا وإن جاهداك لتشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما إلى مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعلمون " وصى حكمه حكم أمر في معناه وتصرفه . يقال : وصيت زيدا بأن يفعل خيرا كما تقول : أمرته بأن يفعل . ومنه بيت الإصلاح : .
وذبيانية وصت بنيها ... بأن كذب القراطف والقروف