" الكبرياء ردائي والعظمة إزاري فمن نازعني واحدا منهما ألقيته في النار " . وكل مستكبر سواه فاستكباره بغير الحق " يرجعون " بالضم والفتح " فأخذنه وجنوده فنبذهم في اليم " من الكلام الفخم الذي دل به على عظمة شأنه وكبرياء سلطانه . شبههم استحقارا لهم واستقلالا لعددهم وإن كانوا الكثر الكثير والجم الغفير بحصيات أخذهن آخذ في كفه فطرحهن في البحر . ونحو ذلك قوله : " وجعلنا فيها رواسي شامخات " المرسلات : 27 ، " وحملت الأرض والجبال فدكتا دكة واحدة " الحاقة : 14 ، " وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه " الزمر : 67 وما هي إلا تصويرات وتمثيلات لاقتداره وأن كل مقدور وإن عظم وجل فهو مستصغر إلى جنب قدرته .
" وجعلهم أئمة يدعون إلى النار ويوم القيمة لا ينصرون وأتبعناهم في هذه الدنيا لعنة ويم القيامة هم من المقبوحين " فإن قلت : ما معنى قوله : وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار " ؟ قلت معناه : ودعوناهم أئمة دعاة إلى النار وقلنا : إنهم أئمة دعاة إلى النار كما يدعى خلفاء الحق أئمة دعاة إلى الجنة . وهو من قولك : جعله بخيلا وفاسقا إذا دعاه وقال : إنه بخيل وفاسق . ويقول أهل اللغة في تفسير فسقه وبخله : جعله بخيلا وفاسقا . ومنه قوله تعالى : " وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا " الزخرف : 19 ومعنى دعوتهم إلى النار : دعوتهم إلى موجباتها من الكفر والمعاصي : ويوم القيامة لا ينصرون " كما ينصر الأئمة الدعاة إلى الجنة . ويجوز : خذلناهم حتى كانوا أئمة الكفر . ومعنى الخذلان : منع الألطاف وإنما يمنعهما من علم أنها لا تنفع فيه وهو المصمم على الكفر الذي لا تغنى عنه الآيات والنذر ومجراه ومجرى الكناية ؛ لأن منع الألطاف يردف التصميم والغرض بذكره : التصميم نفسه فكأنه قيل : صمموا على الكفر حتى كانوا أئمة فيه دعاة إليه وإلى سوء عاقبته . فإن قلت : فأي فائدة في ترك المردوف إلى الرادفة ؟ قلت : ذكر الرادفة يدل على وجود المردف فيعلم وجود المردوف مع الدليل الشاهد بوجوده فيكون أقوى لإثباته من ذكره . ألا ترى أنك تقول : لولا أنه مصمم على الكفر مقطوع أمره مثبوت حكمه لما منعت منه الألطاف فبذكر منع الألطاف يحصل العلم بوجود التصميم على الكفر وزيادة وهو قيام الحجة على وجود . وينصر هذا الوجه قوله : " ويوم القيامة لا ينصرون " كأنه قيل : خذلناهم في الدنيا وهم يوم القيامة مخذولون كما قال : " وأتبعناهم في هذه الدنيا لعنة " أي طردا وإبعادا عن الرحمة " ويوم القيامة هم من المقبوحين " أي المطرودين المبعدين .
" ولقد ءاتينا موسى الكتاب من بعد ما أهلكنا القرون الأولى بصائر للناس وهدى ورحمة لعلهم يتذكرون " " بصائر " نصب على الحال . والبصيرة : نور القلب الذي ستبصر به كما أن البصر نور العين الذي تبصر به يريد آتيناه التوراة أنوارا للقلوب لأنها كانت عمياء لا تتبصر ولا تعرف حقا من باطل . وإرشادا ؛ لأنهم كانوا يخبطون في ضلال " ورحمة " لأنهم لو عملوا بها وصلوا إلى نيل الرحمة " لعلهم يتذكرون " إرادة أن يتذكروا شبهت الإرادة بالترجي فاستعير لها . ويجوز أن يراد به ترجى موسى عليه السلام لتذكرهم كقوله تعالى : " لعله يتذكر " طه : 44 .
" وما كنت بجانب الغربي إذا قضينا إلى موسى الأمر وما كنت من الشاهدين " " الغربي " المكان الواقع في شق الغرب وهو المكان الذي وقع فيه ميقات موسى عليه السلام من الطور وكتب الله له في الألواح . والأمر المقضى إلى موسى عليه السلام : الوحى الذي أوحى غليه ؛ وهم نقباؤه الذين اختارهم للميقاته . وكتبة التوراة له في اللواح وغير ذلك .
" ولكنا أنشأنا قرونا فتطاول عليهم العمر وما كنت ثاويا في أهل مدين تتلوا عليهم ءايتنا ولكنا مرسلين "