لما كان قربا من فوق والثاني : أن يراد قطع الوادي وبلوغ آخره من قولهم : أتى على الشيء إذا أنفذه وبلغ آخره كأنهم أرادوا أن ينزلوا عند منقطع الوادي لأنهم ما دامت الريح تحملهم في الهواء لا يخاف حطيمهم . وقرئ نملة يا أيها النمل بضم الميم وبضم النون والميم وكان الأصل : النمل بوزن الرجل والنمل الذي عليه الاستعمال : تخفيف عنه كقولهم : السبع في السبع . قيل : كانت تمشي وهي عرجاء تتكاوس فنادت : " يا أيها النمل : الآية فسمع سليمان كلامها من ثلاثة أميال . قيل : كان اسمها طاخية . وعن قتادة أنه دخل الكوفة فالتف عليه الناس فقال : سلوا عما شئتم وكان أبو حنيفة C حاضرا - فقال أبو حنيفة : كانت أنثى فقيل له : من أين عرفت ؟ قال : من كتاب الله وهو قوله : " قالت نملة " ولو كانت ذكرا والأنثى فيميز بينهما بعلامة نحو قولهم : حمامة ذكر وحمامة أنثى وهو وهي . وقرئ : مسكنكم ولا يحطمنكم . بتخفيف النون وقرئ : لا يحكمنكم بفتح الحاء وكسرها . وأصله : يحاكمنكم . ولما جعلها قائلة والنمل مقولا لهم كما يكون في أولي العقل : أجرى خطابهم مجرى خطابهم . فإن قلت : لا يحكمنكم ما هو ؟ قلت : يحتمل أن يكون جوابا للأمر وأن يكون نهيا بدلا من الأمر والذي جوز أن يكون بدلا منه : أنه في معنى : لا تكونوا حيث أنتم فيحكمكم على طريقة : لا أرينكههنا أراد لا يحطمنكم جنود سليمان فجاء لما هو أبلغ ونحوه : عجبت من نفسي ومن إشفاقها .
" فتبسم ضاجكا من قولها وقال رب أوزعن أن أشكر نعمتك التي أنعمت على وعلى ولدي وأن أعمل صالحا ترضاه وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين " ومعنى : فتبسم ضاحكا " تبسم شارعا في الضحك وآخذا فيه ويعني أنه قد تحجاوز حد التبسم إلى الضحك وكذلك ضحك الأنبياء عليهم الصلاة السلام . وأما ما روي : أن رسول الله A ضحك حتى بدت نواجذه . فالغرض المبالغة في وصف ما وجد منه من الضحك النبوي وإلا فبدو النواجذ على الحقيقة إنما يكون عند الاستغراب وقرأ ابن السميع : ضحكا فإن قلت : ما أضحكه من قولها ؟ قلت : شيئان إعجابه بما دل من قولهما على ظهور رحمته ورحمة جنوده وشفقتهم وعلى شهرة حاله وحالهم في باب التقوى وذلك قولها : " وهم لا يشعرون " تعني أنهم لو شعروا لم يفعلوا . وسروره بما آتاه الله مما لم يؤت أحدا : من إدراكه بسمعه ما همس به بعض الحكل الذي هو مثل في الصغر والقلة ومن إحاطته بمعناه ولذلك اشتمل دعاؤه على استيزاع الله شكر ما أنعم به عليه من ذلك وعلى استيفاقه لزيادة العمل الصالح والتقوى . وحقيقة " أوزعني " اجعلني أزع شكر نعمتك عندي وأكفه وأرتبطه لا ينفلت عني حتى أنفك شاكرا لك . وإنما أدرج ذكر والديه لأن النعمة على الولد نعمة على الوالدين خصوصا النعمة الراجعة إلى الدين فإنه إذا كان تقيا نفعهما بدعائه وشفاعته وبدعاء المؤمنين لهما كلما دعوا له وقالوا : Bك وعن والديك . وروي أن يذعرن حتى دخلن مساكنهن ثم دعا بالدعوة . ومعنى " وأدخلني برحمتك في عبادي الصالحين " واجعلني من أهل الجنة .
" وتفقد الطير فقال مالي لا أرى الهدهد أم كان من الغائبين لأعذبنه عذابا شديدا أو لا أذبحنه أو ليأتيني بسلطان مبين "