ويجوز أن يكون المعنى : وألق عصاك وأدخل يدك : في تسع آيات أي : في جملة تسع آيات وعدادهن . ولقائل أن يقول : كانت الآيات إحدى عشرة : ثنتان منها اليد والعصا والتسع : الفلق والطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم والطمسة والجذب في بواديهم والنقصان في مزارعهم .
" فلما جاءتهم ءاياتنا مبصرة قالوا هذا سحر مبين " المبصرة : الظاهرة البينة . جعل الإبصار لها وهو في الحقيقة لمتأمليها لأنهم لا بسوها وكانوا بسبب منها بنظرهم وتفكرهم فيها . ويجوز أن يراد بحقيقة الإبصار : كل ناظر فيها من كافة أولي العقل وأن يراد إبصار فرعون وملئه . لقوله : " واستيقنتها أنفسهم " النمل : 14 أو جعلت كأنها تبصر فتهدي لأن العمي لا تقدر على الاهتداء فضلا أن تهدي غيرها . ومنه قولهم : كلمة عيناء وكلمة عوراء لأن الكلمة الحسنة ترشد والشيئة تغوى . ونحوه قوله تعالى : " لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا رب السمات والأرض بصائر " الإسراء : 102 فوصفها بالبصارة كما وصفها بالإبصار . وقرأ علي بن الحسين Bهما وقتادة : مبصرة وهي نحو : مجبنة ومبخلة ومجفرة أي : مكانا يكثر فيه التبصير .
وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا فانظر كيف كان عاقبة المفسدين " الواو في " واستيقنتها " واو الحال وقد بعدها مضمرة والعلو : الكبر والترفع عن الإيمان بما جاء به موسى كقوله تعالى : " فاستكبروا وكانوا قوما عالين " المؤمنين : 46 ، " فقالوا أنؤمن لبشرين مثلنا وقومهما لنا عابدون " المؤمنون : 47 وقرئ : عليا وعليا بالضم والكسر كما قرئ : عتيا وعتيا وفائدة ذكر الأنفس : أنهم جحدوها بألسنتهم واستيقنوها في قلوبهم وضمائرهم والاستيقان أبلغ من الإيقان وقد قوبل بين المبصرة والمبين وأي ظلم أفحش من ظلم من اعتقد واستيقن أنها آيات بينة واضحة جاءت من عند الله ثم كابر بتسميتها سحرا بينا مكشوفا لا شبهة فيه .
" ولقد ءاتينا داود وسليمان علما وقالا الحمد لله الذي فضلنا على كثير من عباده المؤمنين " " علما " طائفة من العلم أو علما سنيا غزيرا . فإن قلت : أليس هذا موضع الفاء دون الواو كقولك : أعطيته فشكر ومنعته فصبر ؟ قلت : بلى ولكن عطفه بالواو إشعار بأن ما قالاه بعض ما أحدث فيهما إيتاء العلم وشيء من مواجبه فأضمر ذلك ثم عطف عليه التحميد كأنه قال : ولقد آتيناهما علما فعملا به علماه وعرفا حق النعمة فيه والضيلة " وقالا الحمد الذي فضلنا " . والكثير المفضل عليه : من لم يؤت علما . أو من لم يؤت مثل علمهما . وفيه : أنهما فضلا على كثير . وفي الآية دليل على شرف العلم وإنافة محله وتقدم حملته وأهله وأن نعمة العلم من أجل النعم . وأجزل القسم وأن من أويته فقد أوتي فضلا على كثير من عباد الله كما قال : " والذين أوتوا العلم درجات " المجادلة : 11 ، وما سماهم رسول الله A : ورثة الأنبياء إلا لمداواتهم لهم في الشرف والمنزلة لأنهم القوام بما بعثوا من أجله . وفيها أنه يلزمهم لهذه النعمة الفاضلة لوازم منها : أن يحمدوا الله على ما أوتوه من فضلهم على غيرهم . وفيها التذكير بالتواضع وأن يعتقد العالم أنه وإن فضل على كثير فقد عليه مثلهم . وما أحسن قول عمر : كل الناس أفقه من عمر .
" وورث سليمان داود وقال يا أيها الناس علمنا منطق الطير وأوتينا من كل شئ إن هذا لهو الفضل المبين "