أي : وما يجدد لهم الله بوحيه موعظة وتذكيرا إلا جددوا إعراضا عنه وكفرا به . فإن قلت : كيف خولف بين الألفاظ والغرض واحد وهي الإعراض والتكذيب والاستهزاء ؟ قلت : إنما خولف بينهما لاختلاف الأغراض كأنه قيل : حين أعرضوا عن الذكر فقد كذبوا به يوحين كذبوا به فقد خف عندهم قدره وصار عرضه للإستهزاء والسخرية ؛ لأن من كان قابلا للحق مقبلا عليه كان مصدقا به لا محالة ولم يظن به التكذيب . ومن كان مصدقا به كان موقرا له " فسيأتيهم " وعيد لهم وإنذار بأنهم سيعلمون إذا مسهم عذاب الله بوم بدر أو يوم القيامة " ما " الشيء الذي كانوا يستهزؤون به وهو القرآن وسيأتيهم أنباؤه وأحواله التي كانت خافية عليهم .
" أولم يروا إلى الأرض كم أنبتنا فيها من كل زوج كريم إن في ذلك لأية وما كان أكثرهم مؤمنين وإن ربك لهو العزيز الرحيم " وصف الزوج وهو الصنف من النبات بالكرم والكريمك صفة لكل ما يرضى ويحمد في بابه ويقال : وجه كريم إذا رضي في حسنه وجماله وكاب كريم : مرضي في معانيه وفوائده وقال : حتى يشق الصفوف من كرمه أي : من كونه مرضيا في شجاعنه وبأسه . والنبات الكريم : المرضي فيما يتعلق به من المنافع " إن في " إناب تلك الأصناف " لأية " على أن منيبها قادر على إجياء الموتى وقد علم الله أن أكثرهم مطبوع على قلوبهم غير مرجو إيمانهم " وإن ربك لهو العزيز " فيانتقامه من الكفرة " الرحيم " لمن تاب وآمن وعمل صالحا . فإن قلت : ما معنى الجمع بين كم وكل ولو قيل : : م أنبتنا فيها من زوج كريم ؟ قلت : قد دل " كل " على الإحاطة بأزواج النبات على سبيل التفصيل و " كم " على أن هذا المحيط متكاثر مفرط الكثرة فهذا معنى الجمع بينهما وبه نبه على الكمال قدرته . فإن قلت : فما معنى وصف الزوج بالكريم ؟ قلت : يحتمل معنيين أحدهما : أن النبات على نوعين : نافع وضار فذكر كثرة ما أنبت في الأرض من جميع أصناف النبات النافع وخلى ذكر الضار . الثاني : أن يعم جميع النبات نافعة وضاره . ويصفها جميعا بالكرم وينبه على أنه ما أنبت شيئا إلا وفيه فائدة لأن الحكيم لا يفعل فعلا إلا لغرض صحيح ولحكمة بالغة وإن غفل عنها الغافلون ولم يتوصل إلى معرفتها العاقلون . فإن قلت : فحين ذكر الأزواج ودل عليها بكلمتي الكثرة والإحاطة وكانت بحيث لا يحصيها إلا علم الغيب كيف قال : " إن في ذلك لآية " وهلا قال : آيات ؟ قلت : فيه وجهان : أن يكون ذلك مشارا به إلى مصدر أنبتنا فكأنه قال : إن في ألإنبات لآية أي آية . وأن يراد : أن في كل واحدة من تلك الأزواج لآية . وقد سبقت لهذا الوجه نظائر .
" وإذ نادى ربك موسى أن أثت القوم الظالمين قوم فرعون ألا يتقون "