أي لا يأملون لقاءنا بالخير لأنهم كفرة . أة لا يخافون لقاءنا بالشر . والرجاء في لغة الخوف وبه فسر وقله تعالى : " لا ترجون لله وقارا " نوح : 13 جعلت الصيرورة إلى دار جزائه بمنزلة لقائه لو كان ملقيا . . اقترحوا من الآيات أن ينزل الله عليهم الملائكو فتخبرهم بأن محمدا صادق حتى يصدقوه . أو يروا الله جهرة فيأمرهم ألأنبياء وأن الله لا يصح أن يرى . وإنما علقوا إيمانهم بما لا يكون . وإما أن لا يكونوا عالمين بذلك وإنما أرادوا التعنت باقتراح آيات سوى الآيات التي نرى الله جهرة . فإن قلت : ما معنى " في أنفسهم " ؟ قلت : معناه أنهم أضمروا الاستكبار عن الحق وهو الكفر والعناد في قلوبهم واعتقدوه . كما قال : " إن في صدورهم إلا كبر ما هم ببالغيه " غافر : 56 . " وعتو عتوا " وتجاوزوا الحد في الظلم . يقال : عتا علينا فلان . وقد وصف العتو بالكبير فبالغ في إفراطه يعني أنهم لم يجسروا على هذا القول العظيم إلا أنهم بلغوا غاية الاستكبار وأقصى العتو واللام جواب قسم محذوف . وهذه الجملة في حسن استئنافها غاية . وفي أسلوبها قول القائل : .
وجارة جساس أبانا بنايها ... كليبا غلب ناب كليب بواؤها .
وفي فحوى هذا الفعل دليل على التعجيب من غير لفظ التعجيب . ألا ترى أن المعنى : ما أشد استكبارهم وما أكبر عتوهم وما أغلى نابا بواؤها كليب .
" يوم يرون الملائكة لا بشرى يومئذ للمجرمين ويقولن حجرا محجورا " " يوم يرون " منصوب بأحد شيئين : إما بما دل عليه " لا بشرى " أي : يوم يرون الملائكة يمنعون البشرى أو يعدمونها . ويومئذ للتكرير وإما بإضمار اذكر أي اذكر يوم يرون الملائكة ثم قال : " لا بشرى يومئذ للمجرمين " وقوله للمجرمين : إما ظاهر في موضع ضمير وإما لأنه عام فقدتنا ولخم بعموم وقوله : " حجرا محجورا " ذكره سيبويه في باب المصادر غير المتصرفة المنصوبة بأفعال متروك إظهارها نحو : معاذ الله وقعدك الله وعرمك الله . وهذه كلمة كانوا يتلكون بها عند لقاء عدو موتور أو هجوم نازلة أو نحو ذلك . يضعونها موضع الاستعاذة . قال سيبويه : ويقلو الرجل للرجل : أتفعل كذا وكذا فيقول : حجرا وهي من حجره إذا منعه ؛ لأن المستبعذ حالب من الله أن يمنع المكروه فلا يلحقه فكان المعنى : أسأل الله أن يمنع ذلك منعا ويحجره حجرا . ومجيئه على فعل أو فعل في قراءة الحسن تصرف فيه لاختصاصه بموضع واحد كما كان قعدك وعمرك كذلك وأنشدت لبعض الرجاز : .
قالت وفيها حيدة وذعر ... عوذ بربي منكم وحجر .
فإذا قلت : فإذ قد ثبت أنه من باب المصادر فما معنى وصفه بمحجور ؟ قلت : جاءت هذه الصفة لتأكيد معنى الحجر كما قالوا . ذيل ذائل والذيل : الهوان . وموت مائت . والمعنى في الآية : أنهم يطلبون نزول الملائكة ويقترحون وهم إذا راوهم عند الموت أو يوم القيامة كرهوا لقاءهم وفزعوا منهم لأنهم لا يلقونهم إلا بما يكرهون وقالوا عند رؤيتهم ما كانوا يقولونه عند لقاء العدو الموتور وشدة النازلة . وقيل : هو من قول الملائكة ومعناه : حراما محرما عليكم الغفران والجنة والبشرى أي جعل الله ذلك حراما عليكم .
" وقدمنا إلى ما علموا من عمل فجعلناه هباء منثورا " ليس ههنا قدوم ولا ما يشبه القدوم ولكن مثلت حال هؤلاء وأعمالهم التي عملوها في كفرهم ممن صلة رحم وإغاثةىملهوف وقرى ضيف ومن على أسير وغير ذلك من مكارمهم ومحاسنهم بحال قوم خالفوا سلطانهم واستعصوا عليه فقدم إلى أشيائهم وقصد إلى ما تحت أيديهم فأفسدها ومزقها كل ممزق ولم يترك لها أثرا ولا عثيرا والهباء : ما يخرج من الكوة مع ضوء الشمس شبيه الغبار . وفي أمثالهم : أقل من الهباء " منثورا " صفة للهباء شبهه بالهباء في قلته وحقارته عنده وأنه قد تناثر وذهب كل مذهب . ونحو قوله : " كعصف مأكول " الفيل : 5 لم يكف أن شبههم بالعصف حتى جعله مؤوفا بالأكال ولا أن شبه عملهم بالهباء حتى جعله متناثرا أو مفعول ثالث لجعلناه أي : جعلناه جامعا لجقارة الهباء والتناثر كقوله : " كونوا قردة خاسئين " البقرة : 65 ، الأعراف : 166 أي جامعين للمسخ والخسئ . ولام الهباء واو بدليل الهبوة .
" أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا وأحسن مقيلا "