" وما أولئك بالمؤمنين " إشارة إلى القائلين آمنا وأطعنا . أو إلى الفريق المتولي فمعناه على الأول : إعلام من الله بأن جميعهم متنف عنهم الإيمان لا الفريق المتولي وحده . وعلى الثاني : إعلام بأن الفريق المتولي لم يكن ما سبق لهم من الإيمان إيمانا إنما كان ادعاء باللسان من غير مواطأة القلب ؛ لأنه لو كان صادرا عن صحة معتقد وطمأنينة نفس لم يتعقبه التولي والإعراض . والتعريف في قوله : " بالمؤمنين " دلالة على أنهم ليسوا بالمؤمنين الذين عرفت : وهم الثابتون المستقيمون على الإيمان والموصوفون في قوله تعالى : " إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا " الحجرات : 15 .
" وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم إذا فريق منهم معرضون وإن يكن لهم الحق يأتوا إليه مذعنين " معنى " إلى الله ورسوله " إلى رسول الله كقولك : أعجبني زيد وكرمه تريد : كرم زيد . ومنه قوله : غلسنه قبل القطا وفرطه أراد : قبل فرط القطا . روي : أنها نزلت في بشر المنافق وخصمه اليهودي حين اختصما في أرض فجعل اليهودي يجره إلى رسول الله والمنافق يجره إلى كعب بن الأشرف ويقول : إن محمدا يحيف علينا . وروي : أن المغيرة بن وائل كان بينه وبين علي بن أبي طالب Bه خصومة في ماء وأرض فقال المغيرة : أما محمد فلست آتيه ولا أحاكم إليه فإنه يبغضني وأنا أخاف أن يحيف علي " إليه " صلة يأتوا لأن ( أتى ) و ( جاء ) قد جاءا معديين بإلى أو يتصل بمذعنين لأنه في معنى مسرعين في الطاعة . وهذا أحسن لتقدم صلته ودلالته على الاختصاص . والمعنى : أنهم لمعرفتهم أنه ليس معك إلا الحق المر والعدل البحت . يزورون عن المحاكمة إليك إذا ركبهم الحق لئلا تنتزعه من أحداقهم بقضائك عليهم لخصومهم وإن ثبت لهم حق على خصم أسرعوا إليك ولم يرضوا إلا بحكومتك لتأخذ لهم ما ذاب لهم في ذمة الخصم .
" أفيقلوبهم مرض أم ارتابوا أم يخافون أن يحيف الله عليهم ورسوله بل أولئك هم الظالمون " ثم قسم الأمر في صدودهم عن حكومته إذا كان الحق عليهم بين أن يكونوا مرضى القلوب منافقين أو مرتابين في أمر نبوته أو خائفين الحيف في قضائه . ثم أبطل خوفهم حيفه بقوله : " بل أولئك هم الظالمون " أي لا يخافون أن يحيف عليهم لمعرفتهم بحاله وإنما هم ظالمون يريدون أن يظلموا من له الحق عليهم ويتم لهم جحوده وذلك شيء لا يستطيعونه في مجلس رسول الله A فمن ثمة يأبون المحاكمة إليه .
" إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون " وعن الحسن : ( قول المؤمنين ) . بالرفع والنصب أقوى لأن أولى الاسمين بكونه اسما لكان . أو غلهما في التعريف ؛ وأن يقولوا : أوغل لأنه لا سبيل عليه للتنكير بخلاف قول المؤمنين وكان هذا من قبيل كان في قوله : " ما كان لله أن يتخذ من ولد " مريم : 35 ، " ما يكون لنا أن نتكلم بهذا " النور : 16 وقرئ : ( ليحكم ) على البناء للمفعول . فإن قلت : إلام أسند يحكم ؟ ولا بد له من فاعل . قلت : هو مسند إلى مصدره لأن معناه : ليفعل الحكم بينهم ومثله : جمع بينهما ؛ وألف بينهما . ومثله " لقد تقطع بينكم " الأنعام : 94 فيمن قرأ ( بينكم ) منصوبا : أي وقع التقطع بينكم . وهذه القراءة مجاوبة لقوله : " دعوا " .
" ومن يطع الله ورسوله ويخش الله ويتقه فأولئك هم الفائزون " قرئ : ( ويتقه ) بكسر القاف والهاء مع الوصل وبغير وصل . وبسكون الهاء وبسكون القاف وكسر الهاء : شبه تقه بكتف فخفف كقوله : قالت سليمى اشترلنا سويقا ولقد جمع الله في هذه الآية أسباب الفوز : وعن ابن عباس في تفسيرها " ومن يطع الله " في فرائضه " ورسوله " في سننه " ويخش الله " على ما مضى من ذنوبه " ويتقه " فيما يستقبل . وعن بعض الملوك أنه سأل عن آية كافية فتليت له هذه الآية .
" وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن أمرتهم ليخرجن قل لا تقسموا طاعة معروفة إن الله خبير بما تعملون "