" حتى إذا أخذنا مترفيهم بالعذاب إذا هم يجئرون لا تجئروا اليوم إنكم لا تنصرون قد كانت ءايتي تتلى عليكم فكنتم على أعقبكم تنكصون مستكبرين به سمرا تهجرون " .
حتى هذه هي التي يبتدأ بعدها الكلام والكلام : الجملة الشرطية والعذاب . قتلهم يوم بدر . أو الجوع حين دعا عليهم رسول الله A فقال : " اللهم اشدد وطأتك على مضر واجعلها عليهم سنين كسني يوسف " فابتلاهم الله بالقحط حتى أكلوا الجيف والكلاب والعظام المحترقة والقذ والأولاد . يجئرون الجؤار : الصراخ باستغاثة قال : .
جئار ساعات النيام لربه .
أي يقال لهم حينئذ " لا تجئروا " فإن الجؤار غير نافع لكم " منا لا تنصرون " لا تغاثون ولا تمنعون منا أو من جهتنا لا يلحقكم نصر ومغوثة . قالوا : الضمير في " به " للبيت العتيق أو للحرم كانوا يقولون : لا يظهر علينا أحد لأنا أهل الحرم . والذي سوغ هذا الإضمار شهرتهم بالاستكبار بالبيت وإنه لم تكن لهم مفخرة إلا أنهم ولاته والقائمون به . ويجوز أن يرجع إلى آياتي إلا أنه ذكر لأنها في معنى كتابي ومعنى استكبارهم بالقرآن : تكذيبهم به استكبارا .
ضمن مستكبرين معنى مكذبين فعدي تعديته . أو يحدث لكم استماعه استكبارا وعتوا فأنتم مستكبرون بسببه أو تتعلق الباء بسامرا أي : يسمرون بذكر القرآن وبالطعن فيه وكانوا يجتمعون حول البيت بالليل يسمرون . وكانت عامة سمرهم ذكر القرآن وتسميته سحرا وشعرا وسب رسول الله A . أو يتهجرون . والسامر : نحو الحاضر في الإطلاق على الجمع . وقرىء : " سمرا " وسمارا " وتهجرون وتهجرون من أهجر في منطقه إذا أفحش . والهجر - بالضم - : الفحش ومن هجر الذي هو مبالغة في هجر إذا هذي . والهجر - بالفتح - : الهذيان .
" أفلم يدبروا القول أم جآءهم ما لم يأت ءابآءهم الأولين أم لم يعرفوا رسولهم فهم له منكرون " .
" القول " القرآن يقول : أفلم يتدبروه ليعلموا أنه الحق المبين فيصدقوا به وبمن جاء به بل أ " جآءهم ما لم يأت ءابآءهم " فلذلك أنكروه واستبدعوه كقوله : " لتنذر قوما ما أنذر آباؤهم فهم غافلون " يس : 6 ، أو ليخافوا عند تدبر آياته وأقاصيصه مثل ما نزل بمن قبلهم من المكذبين أم جاءهم من الأمن ما لم يأت أباءهم حين خافوا الله فآمنوا به وبكتبه ورسله وأطاعوه ؟ وآباؤهم : إسماعيل وأعقابه من عدنان وقحطان . وعن النبي A : " لا تسبوا مضر ولا ربيعة فإنهما كانا مسلمين ولا تسبوا قسا فإنه كان مسلما ولا تسبوا الحارث بن كعب ولا أسد بن خزيمة ولا تميم بن مر . فإنهم كانوا على الإسلام وما شككتم فيه من شيء فلا تشكوا في أن تبعا كان مسلما " . وروي في أن ضبة كان مسلما وكان على شرطة سليمان بن داود " أم لم يعرفوا " محمدا وصحة نسبه وحلوله في سطة هاشم وأمانته وصدقه وشهامته وعقله واتسامه بأنه خير فتيان قريش والخطبة التي خطبها أبو طالب في نكاح خديجة بنت خويلد كفى برغائها مناديا .
" أم يقولون به جنة بل جاءهم بالحق وأكثرهم للحق كرهون " .
الجنة : الجنون وكانوا يعلمون أنه بريء منها وأنه أرجحهم عقلا وأثقبهم ذهنا ولكنه جاءهم بما خالف شهواتهم وأهواءهم ولم يوافق ما نشأوا عليه وسيط بلحومهم ودمائهم من اتباع الباطل ولم يجدوا له مردا ولا مدفعا لأنه الحق الأبلج والصراط المستقيم فأخلدوا إلى البهت وعولوا على الكذب من النسبة إلى الجنون والسحر والشعر . فإن قلت : قوله : " وأكثركم " فيه أن أقلهم كانوا لا يكرهون الحق . قلت : كان فيهم من يترك الإيمان به أنفة واستنكافا من توبيخ قومه وأن يقولوا صبأ وترك دين آبائه لا كراهة للحق كما يحكى عن أبي طالب . فإن قلت : يزعم بعض الناس أن أبا طالب صح إسلامه . قلت : يا سبحان الله كأن أبا طالب كان أخمل أعمام رسول الله A حتى يشتهر إسلام حمزة والعباس Bهما ويخفى إسلام أبي طالب .
" ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السموت والأرض ومن فيهن بل أتينهم بذكرهم فهم عن ذكرهم معرضون "