" ولا تمدن عينيك " أي نظر عينيك : ومد النظر : تطويله وأن لا يكاد يرده استحسانا للمنظور إليه وإعجابا به وتمنيا أن يكون له كما فعل نظارة قارون حين قالو : " يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون إنه لذو حظ عظيم " القصص : 79 ، حتى واجههم أولو العلم والإيمان " ويلكم ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحا " القصص : 80 ، وفيه أن النظر غير الممدود معفو عنه وذلك مثل نظر من باده الشيء بالنظر ثم غض الطرف ولما كان النظر إلى الزخارف كالمركوز في الطباع وأن من أبصر منها شيئا أحب أن يمد إليه نظره ويملأ منه عينيه قيل : " ولا تمدن عينيك " أي لا تفعل ما أنت معتاد له وضار به ولقد شدد العلماء من أهل التقوى في وجوب غض البصر عن أبنية الظلمة وعدد الفسقة في اللباس والمراكب وغير ذلك لأنهم إنما اتخذوا هذه الأشياء لعيون النظارة ؛ فالناظر إليها محصل لغرضهم وكالمغري لهم على اتخاذها " أزواجا منهم " أصنافا من الكفرة ويجوز أن ينتصب حالا من هاء الضمير والفعل واقع على منهم كأنه قال : إلى الذي متعنا به وهو أصناف بعضهم وناسا منهم . فإن قلت : علام انتصب زهرة ؟ قلت : على أحد أربعة أوجه : على الفم وهو النصب على الاختصاص . وعلى تضمين متعنا معنى أعطينا وخولنا وكونه مفعولا ثانيا له . وعلى إبداله من محل الجار والمجرور . وعلى إبداله من أزواجا على تقدير ذوي زهرة . فإن قلت : ما معنى الزهرة فيمن حرك ؟ قلت : معنى الزهرة بعينه وهو الزينة والبهجة كما جاء في الجهرة الجهرة . وقرىء : " أرنا الله جهرة " النساء : 153 . وأن تكون جمع زاهر وصفا لهم بأنهم زاهرو هذه الدنيا لصفاء ألوانهم مما يلهون ويتنعمون ؛ وتهلل وجوههم وبهاء زيهم وشارتهم بخلاف ما عليه المؤمنون والصلحاء : من شحوب الألوان والتقشف في الثياب لنفتنهم لنبلوهم حتى يستوجبوا العذاب لوجود الكفران منهم . أو لنعذبهم في الآخرة بسببه " ورزق ربك " هو ما ادخر له من ثواب الآخرة الذي هو خير منه في نفسه وأدوم . وأو ما رزقه من نعمة الإسلام والنبوة . أو لأن أموالهم الغالب عليها الغصب والسرقة والحرمة من بعض الوجوه والحلال " خير وأبقى " لأن الله لا ينسب إلى نفسه إلا ما حل وطاب دون ما حرم وخبث والحرام لا يسمى رزقا أصلا وعن يزيد بن عبد الله بن قسيط عن أبي رافع قال : بعثني رسول الله A إلى يهودي وقال : " قل له يقول لك رسول الله أقرضني إلى رجب فقال : والله لا أقرضته إلا برهن فقال رسول الله A " إني لأمين في السماء وإني لأمين في الأرض احمل إليه درعي الحديد " فنزلت " ولا تمدن عينيك " . " وأمر أهلك بالصلاة واصبر عليها لا نسألك رزقا نحن نرزقك والعاقبة للتقوى " .
" وأمر أهلك بالصلاة " أي وأقبل أنت مع أهلك على عبادة الله والصلاة ؛ واستعينوا بها على خصاصتكم ؛ ولا تهتم بأمر الرزق والمعيشة فإن رزقك مكفى من عندنا ونحن رازقوك ولا نسألك أن ترزق نفسك ولا أهلك ففرغ بالك لأمر الاخرة . وفي معناه قول الناس : من كان في عمل الله كان الله في عمله . وعن عروة بن الزبير أنه كان إذا رأى ما عند السلاطين قرأ : ولا تمدن عينك ثم ينادي الصلاة الصلاة رحمكم الله . وعن بكر بن عبد الله المزني كان إذا أصابت أهله خصاصة قال : قوموا فصلوا بهذا أمر الله رسوله ثم يتلو هذه الاية .
" وقالو لولا يأتينا بآية من ربه أولم تأتهم بينة ما في الصحف الأولى " اقترحوا على عادتهم في التعنت آية على النبوة فقيل لهم : أو لم تأتكم آية هي أم الآيات وأعظمها في باب الإعجاز يعني القرآن من قبل أن القران برهان ما في سائر الكتب المنزلة ودليل صحته لأنه معجزة وتلك ليست بمعجزات فهي مفتقرة إلى شهادته على صحة ما فيها افتقار المحتج عليه إلى شهادة الحجة . وقرىء : " الصحف " بالتخفيف . ذكر الضمير الراجع إلى البينة لأنها في معنى البرهان والدليل .
" ولو أنا أهلكناهم بعذاب من قبله لقالو ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا فنتبع آياتك من قبل أن نذل ونخزى " قرىء " نذل ونخزى " على لفظ ما لم يسم فاعله .
" قل كل متربص فتربصوا فستعلمون من أصحاب الصراط السوى ومن اهتدى "