والأقوال الثلاثة في الفواتح : أعني التي قدمتها في أول الكاشف عن حقائق التنزيل هي التي يعول عليها الألباء المتقنون " ما أنزلنا " إن جعلت " طه " تعديدا لأسماء الحروف على الوجه السابق ذكره فهو ابتداء كلام . وان جعلتها اسما للسورة احتملت أن تكون خبرا عنها وهي في موضع المبتدأ و " القرءان " ظاهر أوقع موقع الضمير لأنها قرآن وأن يكون جوابا لها وهي قسم . وقرىء " ما نزل عليك القرآن " " لتشقى " لتتعب بفرط تأسفك عليهم وعلى كفرهم وتحسرك على أن يؤمنوا كقوله تعالى : " لعلك باخع نفسك " الشعراء : والشقاء يجيء في معنى التعب . ومنه المثل : أشقى من رائض مهر أي ما عليك إلا أن تبلغ وتذكر ولم يكتب عليك أن يؤمنوا لا محالة بعد أن لم تفرط في أداء الرسالة والموعظة الحسنة . وقيل : إن أبا جهل والنضر بن الحرث قالا له : إنك شقي لأنك تركت دين آبائك فأريد رد ذلك يأن دين الإسلام وهذا القرآن هو السلم إلى نيل كل فوز والسبب في درك كل سعادة وما فيه الكفرة هو الشقاوة بعينها . وروي : أنه E صلى بالليل حتى اسمغدت قدماه فقال له جبريل عليه السلام : أبق على نفسك فإن لها عليك حقا . أي : ما أنزلناه لتنهك نفسك بالعبادة وتذيقها المشقة الفادحة وما بعثت إلا بالحنيفية السمحة وكل واحد من لتشقى وتذكرة علة للفعل إلا أن الأول وجب مجيئه مع اللام لأنه ليس لفاعل الفعل المعلل ففاتته شريطة الانتصاب على المفعولية والثاني جاز قطع اللام عنه ونصبه لاستجماعه الشرائط . فإن قلت : أما يجوز أن يقول : ما أنزلنا عليك القران أن تشقى كقوله تعالى . " أن تحبط أعمالكم " الحجرات : قلت : بلى ولكنها نصبة طارئة كالنصبة في واختار موسى قومه وأما النصبة في تذكرة فهي كالتي في ضربت زيدا لأنه أحد المفاعيل الخمسة التي هي أصول وقوانين لغيرها . فإن قلت : هل يجوز أن يكون تذكرة بدلا من محل لتشقى ؟ قلت : لا لاختلاف الجنسين ولكنها نصب على الاستثناء المنقطع الذي إلا فيه بمعنى لكن ويحتمل أن يكون المعنى : إنا أنزلنا عليك القرآن لتحتمل متاعب التبليغ ومقاولة العتاة من أعداء الإسلام ومقاتلتهم وغير ذلك من أنواع المشاق وتكاليف النبوة وما أنزلنا عليك هذا المتعب الشاق إلا ليكون تذكرة . وعلى هذا الوجه يجوز أن يكون تذكرة حالا ومفعولا له لمن يخشى لمن يؤول أمره إلى الخشية ولمن يعلم الله منه أنه يبدل بالكفر إيمانا وبالقسوة خشية . في نصب تنزيلا وجوه : أن يكون بدلا من تذكرة إذا جعل حالا لا إذا كان مفعولا له ؛ لأن الشيء لا يعلل بنفسه وأن ينصب بنزل مضمرا وأن ينصب بأنزلنا ؛ لأن معنى : ما أنزلناه إلا تذكرة : أنزلناه تذكرة وأن ينصب على المدح والاختصاص وأن ينصب ب يخشى مفعولا به . أي : أنزله الله تذكرة لمن يخشى تنزيل الله وهو معنى حسن وإعراب بين . وقرىء تنزيل بالرفع على خبر مبتدأ محذوف . ما بعد تنزيلا إلى قوله : له الأسماء الحسنى تعظيم وتفخيم لشأن المنزل لنسبته إلى من هذه أفعاله وصفاته ولا يخلو من أن يكون متعلقه إما تنزيلا نفسه فيقع صلة له وإما محذوفا فيقع صفة له . فان قلت : ما فائدة النقلة من لفظ المتكلم إلى لفظ الغائب ؟ قلت : غير واحدة : منها : عادة الافتنان في الكلام وما يعطيه من الحسن والروعة . ومنها أن هذه الصفات إنما تسردت مع لفظ الغيبة . ومنها أنه قال أولا أنزلنا ففخم بالإسناد إلى ضمير الواحد المطاع ثم ثنى بالنسبة إلى المختص بصفات العظمة والتمجيد فضوعفت الفخامة عن طريقين : ويجوز أن يكون أنزلنا حكاية لكلام جبريل والملائكة النازلين معه . والسموات العلى وصف السموات بالعلى : دلالة على عظم قدرة من يخلق مثلها في علوها وبعد مرتقاها .
" الرحمن على العرش استوى له ما فى السموات وما فى الأرض وما بينهما وما تحت الثرى "