لما كانت الجنة مشتملة على جنات عدن أبدلت منها كقولك : أبصرت دارك القاعة والعلالي . و " عدن " معرفة علم بمعنى العدن وهو الإقامة كما جعلوا فينة وسحر وأمس - فيمن لم يصرفه - أعلاما لمعاني : الفينة والسحر والأمس فجرى مجرى العدن لذلك . أو هو علم لأرض الجنة لكونها مكان إقامة ولولا ذلك لما ساغ الإبدال لأن النكرة لا تبدل من المعرفة إلا موصوفة ولما ساغ وصفها بالتي . وقرىء " جنات عدن " " وجنة عدن " بالرفع على الابتداء . أي : وعدها وهي غائبة عنهم غير حاضرة . أو هم غائبون عنها لا يشاهدونها . أو بتصديق الغيب والإيمان به . قيل في لأنه مطاوع نزل ونزل يكون بمعنى أنزل وبمعنى التدريج واللائق بهذا الموضع هو النزول على مهل والمراد أن نزولنا في الأحايين وقتا غب وقت ليس إلا بأمر الله وعلى ما يراه صوابا وحكمة وله ما قدامنا " وما خلقنا " من الجهات والأماكن " وما بين ذلك " وما نحن فيها فلا نتمالك أن ننتقل من جهة إلى جهة ومكان إلى مكان إلا بأمر المليك ومشيئته وهو الحافظ العالم بكل حركة وسكون وما يحدث ويتجدد من الأحوال لا يجوز عليه الغفلة والنسيان فأنى لنا أن نتقلب في ملكوته إلا إذا رأى ذلك صلحة وحكمة وأطلق لنا الإذن فيه . وقيل : ما سلف من أمر الدنيا وما يستقبل من أمر الآخرة وما بين ذلك : ما بين النفختين وهو أربعون سنة . وقيل : ما مضى من أعمارنا وما غبر منها والحال التي نحن فيها . وقيل : ما قبل وجودنا وما بعد فنائنا . وقيل : الأرض التي بين أيدينا إذا نزلنا والسماء التي وراءنا وما بين السماء والأرض والمعنى : أنه المحيط بكل شيء لا تخفى عليه خافية ولا يعزب عنه مثقال ذرة فكيف نقدم على فعل نحدثه إلا صادرا عما توجبه حكمته ويأمرنا به ويأذن لنا فيه ؟ . وقيل : معنى " وما كان ربك نسيا وما كان تاركا لك كقوله تعالى : " ما ودعك ربك وما قلى " الضحى : 3 ، أي : ما كان امتناع النزول إلا لامتناع الأمر به . وأما احتباس الوحي فلم يكن عن ترك الله لك وتوديعه إياك ولكن لتوقفه على المصلحة وقيل : هي حكاية قول المتقين حين يدخلون الجنة أي : وما ننزل الجنة إلا بأن من الله علينا بثواب أعمالنا وأمرنا بدخولها وهو المالك لرقاب الأمور كلها السالفة . والمترقبة والحاضرة اللاطف في أعمال الخير والموفق لها والمجازي عليها ثم قال الله تعالى - تقريرا لقولهم - : وما كان ربك نسيا لأعمال العاملين غافلا عما يجب أن يثابوا به وكيف يجوز النسيان والغفلة على في ملكوت السماء والأرض وما بينهما . ثم قال لرسول الله A : فحين عرفته على هذه الصفة فأقبل على العمل واعبده : يثبك كما أثاب غيرك من المتقين . وقرأ الأعرج Bه " وما يتنزل " بالياء على الحكاية عن جبريل عليه السلام والضمير للوحي . وعن ابن مسعود Bه : " إلا بقول ربك " يجب أن يكون الخلاف في النسي مثله في البغي .
" رب السموت والأرض وما بينهما فاعبده واصطبر لعبدته هل تعلم له سميا " .
" رب السموت والأرض " بدل من ربك ويجوز أن يكون خبر مبتدأ محذوف أي هو رب السموات والأرض " فاعبده " كقوله : .
وقائلة خولان فانكح فتاتهم .
وعلى هذا الوجه يجوز أن يكون " وما كان ربك نسيا " مريم : 64 ، من كلام المتقين وما بعده من كلام رب العزة . فإن قلت : هلا عدي " واصطبر " بعلى التي هي صلته كقوله تعالى : " واصطبر عليها " طه : 132 ؟ . قلت : لأن العبادة جعلت بمنزلة القرن في قولك للمحارب : اصطبر لقرنك أي اثبت له فيما يورد عليك من شداته . أريد أن العبادة تورد عليك شدائد ومشاق فاثبت لها ولا تهن ولا يضق صدرك عن إلقاء عداتك من أهل الكتاب إليك الأغاليط وعن احتباس الوحي عليك مدة وشماتة المشركين بك . أي : لم يسم شيء بالله قط وكانوا يقولون لأصنامهم آلهة والعزى إله وأما الذي عوض فيه الألف واللام من الهمزة فمخصوص به المعبود الحق غير مشارك فيه . وعن ابن عباس Bهما : لا يسمى أحد الرحمن غيره . ووجه اخر : هل تعلم من سمي باسمه على الحق دون الباطل لأن التسمية على الباطل في كونها غير معتد بها كلا تسمية . وقيل : مثلا وشبيها أي : إذا صح أن لا معبود يوجه إليه العباد العبادة إلا هو وحده لم يكن بد من عبادته والاصطبار على مشاقها وتكاليفها