" ولا أعصي " في محل النصب عطفا على " صابرا " أي : ستجدني صابرا وغير عاص . أو لا في محل عطفا على ستجدني . رجا موسى عليه السلام لحرصه على العلم وازدياده أن يستطيع معه صبرا بعد إفصاح الخضر عن حقيقة الأمر فوعده بالصبر معلقا بمشيئة الله علما منه بشدة الأمر وصعوبته وإن الحمية التي تأخذ المصلح عند مشاهدة الفساد شيء لا يطاق هذا مع علمه أن النبي المعصوم الذي أمره الله بالمسافرة إليه واتباعه واقتباسه العلم منه بريء من أن يباشر ما فيه غميزة في الدين وأنه لا بد لما يستسمج ظاهره من باطن حسن جميل فكيف إذا لم يعلم .
" قال فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا " .
قرئ : فلا تسألني بالنون الثقيلة يعني : فمن شرط اتباعك لي أنك إذا رأيت مني شيئا وقد علمت أنه صحيح إلا أنه غبي عليك وجه صحته فحميت وأنكرت في نفسك أن لا تفاتحني بالسؤال ولا تراجعني فيه حتى أكون أنا الفاتح عليك . وهذا من آداب المتعلم مع العالم والمتبوع مع التابع .
" فانطلقا حتى إذا ركبا في السفينة خرقها قال أخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئا إمرا قال ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا " .
" فانطلقا " على ساحل البحر يطلبان السفينة فلما ركبا قال أهلها : هما من اللصوص وأمروهما بالخروج فقال صاحب السفينة : أرى وجوه الأنبياء . وقيل : عرفوا الخضر فحملوهما بغير نول فلما لججوا أخذ الخضر الفأس فخرق السفينة بأن قلع لوحين من ألواحها مما يلي الماء فجعل موسى يسد الخرق بثيابه ويقول : " أخرقتها لتغرق أهلها " وقرئ : لتغرق بالتشديد وليغرق أهلها من غرق وأهلها مرفوع " جئت شيئا إمرا " أتيت شيئا عظيما من أمر الأمر : إذا عظم قال : .
داهية دهياء إدا إمرا " .
" قال لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرا " .
" بما نسيت " بالذي نسيته أو بشيء نسيته أو بنسياني : أراد أنه نسي وصيته ولا مؤاخذة على الناسي . أو أخرج الكلام في معرض النهي عن المؤاخذة بالنسيان يوهمه أنه قد نسي ليبسط عذره في الإنكار وهو من معاريض الكلام التي يتقي بها الكذب مع التوصل إلى الغرض كقول إبراهيم : هذه أختي وإني سقيم . أو أراد بالنسيان : الترك أي : لا تلا تآخذني بما تركت من وصيتك أول مرة . يقال : رهقه إذا غشيه وأرهقه إياه . أي : ولا تغشني " عسرا " من أمري وهو اتباعه إياه يعني : ولا تعسر علي متابعتك ويسرها علي بالإغضاء وترك المناقشة . وقرئ : عسرا بضمتين .
" فانطلقا حتى إذا لقيا غلاما فقتله قال أقتلت نفسا زكية بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا قال ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرا " .
" فقتله " قيل : كان قتله فتل عنقه . وقيل : ضرب برأسه الحائط وعن سعيد بن جبير : أضجعه ثم ذبحه بالسكين . فإن قلت : لم قيل " حتى إذا ركبا في السفينة خرقها " بغير فاء و " حتى إذا لقيا غلاما فقتله " قلت : جعل خرقها جزاء للشرط وجعل قتله من جملة الشرط معطوفا عليه والجزاء " قال أقتلت " . فإن قلت : فلم خولف بينهما ؟ قلت : لأن خرق السفينة لم يتعقب الركوب وقد تعقب القتل لقاء الغلام . وقرئ : زاكية وزكية وهي الطاهرة من الذنوب إما لأنها طاهرة عنده لأنه لم يرها قد أذنبت وإما لأنها صغيرة لم تبلغ الحنث " بغير نفس " يعني لم تقتل نفسا فيقتص منها . وعن ابن عباس : أن نجدة الحروري كتب إليه : كيف جاز قتله وقد نهى رسول الله A عن قتل الولدان ؟ فكتب إليه : إن علمت من حال الولدان ما علمه عالم موسى فلك أن تقتل " نكرا " . وقرئ : بضمتين وهو المنكر وقيل النكر أقل من الإمر لأن قتل نفس واحدة أهون من إغراق أهل السفينة . وقيل : معناه جئت شيئا أنكر من الأول لأن ذلك كان خرقا يمكن تداركه بالسد وهذا لا سبيل إلى تداركه . فإن قلت : ما معنى زيادة " لك " ؟ قلت : زيادة المكافحة بالعتاب على رفض الوصية والوسم بقلة الصبر عند الكرة الثانية .
" قال إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا "