" وزدناهم هدى " بالتوفيق والتثبيت " وربطنا على قلوبهم " وقويناها بالصبر على هجر الأوطان والنعيم والفرار بالدين إلى بعض الغيران وجسرناهم على القيام بكلمة الحق والتظاهر بالإسلام " إذ قاموا " بين يدي الجبار وهو دقيانوس من غير مبالاة به حين عاتبهم على ترك عبادة الصنم " فقالوا ربنا رب السموات والأرض...... شططا " قولا ذا شطط وهو الإفراط في الظلم والإبعاد فيه من شط : إذا بعد . ومنه أشط في السوم وفى غيره " هؤلاء " مبتدأ و " قومنا " عطف بيان " واتخذوا " خبر وهو إخبار في معنى إنكار " لولا يأتون عليهم " هلا يأتون على عبادتهم فحذف المضاف " بسلطان بين " وهو تبكيت لأن الإتيان بالسلطان على عبادة الأوثان محال وهو دليل على فساد التقليد وأنه لا بد في الدين من الحجة حتى يصح ويثبت " افترى على الله كذبا " بنسبة الشريك إليه .
" وإذ اعتزلتموهم ما يعبدون إلا الله فأووا إلى الكهف ينشر لكم ربكم من رحمته ويهيأ لكم من أمركم مرفقا " .
" وإذ اعتزلتموهم " خطاب من بعضهم لبعض حين صممت عزيمتهم على الفرار بدينهم " ما يعبدون " نصب عطف على الضمير يعني : وإذ اعتزلتموهم واعتزلتم معبوديهم " إلا الله " يجوز أن يكون استثناء متصلا على ما روي : أنهم كانوا يقرون بالخالق ويشركون معه كما أهل مكة . وأن يكون منقطعا . وقيل : هو كلام معترض إخبار من الله تعالى عن الفئة أنهم لم يعبدوا غير الله " مرتفقا " قرئ بفتح الميم وكسرها وهو ما يرتفق به : أي ينتفع إما أن يقولوا ذلك ثقة بفضل الله وقوة في رجائهم لتوكلهم عليه ونصوع يقينهم . وإما أن يخبرهم به نبي في عصرهم وإما أن يكون بعضهم نبيا .
" وترى الشمس إذا طلعت تزاور عن كهفهم ذات اليمين وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال وهم في فجوة منه ذلك من آيات الله من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا " .
" تزاور " أي تمايل أصله تتزاور فخفف بإدغام التاء في الزاي أو حذفها . وقد قرئ بهما وقرئ تزوز وتزواز بوزن تحم وتحمار وكلها من الزور وهو الميل . ومنه زاره إذا مال إليه . والزور : الميل عن الصدق " ذات اليمين " جهة اليمين وحقيقتها . الجهة المسماة باليمين " تقرضهم " تقطعهم لا تقربهم من معنى القطيعة والصرم . قال ذو الرمة : .
إلى ظعن يقرضن أقواز مشرف ... شمالا وعن أيمانهم الفوارس .
" وهم في فجوة منه " وهم في متسع من الكهف . والمعنى أنهم في ظل نهارهم كله لا تصيبهم الشمس في طلوعها ولا غروبها مع أنهم في مكان واسع منفتح معرض لإصابة الشمس لولا أن الله يحجبها عنهم . وقيل : في متفسح من غارهم ينالهم فيه روح الهواء وبرد النسيم ولا يحسون كرب الغار " ذلك من آيات الله " أي ما صنعه الله بهم من ازورار الشمس وقرضها طالعة وغاربة آية من آياته يعني : أن ما كان في ذلك السمت تصيبه الشمس ولا تصيبهم اختصاصا لهم بالكرامة . وقيل : باب الكهف شمالي مستقبل لبنات نعش فهم في مقنأة أبدا ومعنى " ذلك من آيات الله " أن شأنهم وحديثهم من آيات الله " من يهد الله فهو المهتد " ثناء عليهم بأنهم جاهدوا في الله وأسلموا له وجوههم فلطف بهم وأعانهم وأرشدهم إلى نيل تلك الكرامة السنية والاختصاص بالآية العظيمة وأن كل من سلك طريقة المهتدين الراشدين فهو الذي أصاب الفلاح واهتدى إلى السعادة ومن تعرض للخذلان فلن يجد من يليه ويرشده بعد خذلان الله .
" وتحسبهم أيقاظا وهم رقود ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد لو اطلعت عليهم لوليت منهم فرارا ولملئت منهم رعبا " " وتحسبهم " بكسر السين وفتحها : خطاب لكل أحد والأيقاظ : جمع يقظ كأنكاد في نكد . قيل : عيونهم مفتحة وهم نيام فيحسبهم الناظر لذلك أيقاظا وقيل : لكثرة تقلبهم وقيل : لهم تقلبتان في السنة وقيل : تقلبة واحدة في يوم عاشوراء . وقرئ ويقلبهم بالياء والضمير لله تعالى . وقرئ وتقلبهم على المصدر منصوبا وانتصابه بفعل مضمر يدل عليه " وتحسبهم أيقاظا " كأنه قيل : وترى وتشاهد تقلبهم . وقرأ جعفر الصادق " وكلبهم " أي وصاحب كلبهم " باسط ذراعيه " حكاية حال ماضية لأن اسم الفاعل لا يعمل إذا كان في معنى المضي وإضافته إذا أضيف حقيقية معرفة كغلام زيد إلا إذا نويت حكاية الحال الماضية . والوصيد : الفناء وقيل : العتبة . وقيل : الباب وأنشد :