فإن قلت : ما هذه الإضافة . قلت : هي إضافة اسم الفاعل إلى الظرف على طريق الأتساع مجرى مجرى المفعول به كقولهم : يا سارق الليلة أهل الدار والمعنى على الظرفية . ومعناه : مالك الأمر كله في يوم الدين كقوله : " لمن الملك اليوم " غافر : فإن قلت : فإضافة اسم الفاعل إضافة غير حقيقة فلا تكون معطية معنى التعريف فكيف ساغ وقوعه صفة للمعرفة قلت : إنما تكون غير حقيقية إذا أريد باسم الفاعل الحال أو الاستقبال فكان في تقدير الانفصال كقولك : مالك الساعة أو غدا . فأما إذا قصد معنى الماضي كقولك : هو مالك عبده أمس أو زمان مستمر كقولك : زيد مالك العبيد كانت الإضافة حقيقية كقولك : مولى العبيد وهذا هو المعنى في " مالك يوم الدين " ويجوز أن يكون المعنى : ملك الأمور يوم الدين كقوله : " ونادى أصحاب الجنة " لأعراف : " ونادى أصحاب الأعراف " الأعراف : والدليل عليه قراءة أبي حنيفة : " ملك يوم الدين " وهذه الأوصاف التي أجريت على الله سبحانه من كونه ربا مالكا للعالمين لا يخرج منهم شيء من ملكوته وربوبيته ومن كونه منعما بالنعم كلها الظاهرة والباطنة والجلائل والدقائق ومن كونه مالكا للأمر كله في العاقبة يوم الثواب والعقاب بعد الدلالة على اختصاص الحمد به وأنه به حقيق في قوله : " الحمد لله " دليل على أن من كانت هذه صفاته لم يكن أحد أحق منه بالحمد والثناء عليه بما هو أهله .
" إياك نعبد وإياك نستعين " إيا ضمير منفصل للمنصوب واللواحق التي تلحقه من الكاف والهاء والياء في قولك : إياك وإياه وإياي لبيان الخطاب والغيبة والتكلم ولا محل لها من الإعراب كمالا محل للكاف في أرأيتك وليست بأسماء مضمرة وهو مذهب الأخفش وعليه المحققون وأما ما حكاه الخليل عن بعض العرب : إذا بلغ الرجل الستين فإياه وإياه الشواب فشيء شاذ لا يعؤل عليه وتقديم المفعول لقصد الاختصاص كقوله تعالى : " قل أفغير الله تأمروني أعبد " الزمر : " قل أغير الله أبغي ربا " الأنعام : والمعنى و نخصك بطلب المعونة . وقرئ : إياك بتخفيف الياء وإياك بفتح الهمزة والتشديد وهياك بقلب الهمزة هاء . قال طفيل الغنوي : .
فهياك والأمر الذي إن تراحبت ... موارده ضاقت عليك مصادره .
والعبادة أقصى غاية الخضوع والتذلل . ومنه : ثوب ذو عبدة إذا كان في غاية الصفاقة وقوة النسج ولفلك لم تستعمل إلا في الخضوع لله تعالى لأنه مولى أعظم النعم فكان حقيقا بأقصى غاية الخضوع . فإن قلت : لم عدل عن لفظ الغيبة إلى لفظ الخطاب . قلت : هذا يسمى الالتفات في علم البيان قد يكون من الغيبة إلى الخطاب ومن الخطاب إلى الغيبة ومن الغيبة إلى التكلم كقوله تعالى : " حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم " يونس : وقوله تعالى : " والله الذي أرسل الرياح فتثير سحابا فسقناه " فاطر : وقد التفت امرؤ القيس ثلاث التفاتات في ثلاثة أبيات : .
تطا ول ليلك بالأثمد ... ونام الخلي ولم ترقد .
وبات وباتت له ليلة ... كليلة في العائر الأرمد .
وذلك من نبإ جاءني ... وخبرته عن أبي الأسود