" يزجي " يجري ويسير . والضر : خوف الغرق " ضل من تدعون إلا إياه " ذهب عن أوهامكم وخواطركم كل من تدعونه في حوادثكم إلا إياه وحده فإنكم لا تذكرون سواه ولا تدعونه في ذلك الوقت ولا تعقدون برحمته رجاءكم ولا تخطرون ببالكم أن غيره يقدر على إغاثتكم أو لم يهتد لإنقاذكم أحد غيره من سائر المدعوين . ويجوز أن يراد : ضل من تدعون من الآلهة عن إغاثتكم ولكن الله وحده هو الذي ترجونه وحده على الاستثناء المنقطع .
" أفأمنتم أن يخسف بكم جانب البر أو يرسل عليكم حاصبا ثم لا تجدوا لكم وكيلا أم أمنتم أن يعيدكم فيه تارة أخرى فيرسل عليكم قاصفا من الريح فيغرقكم بما كفرتم ثم لا تجدوا لكم علينا به تبيعا " .
" أفأمنتم " الهمزة للإنكار والفاء للعطف على محذوف تقديره : أنجوتم فأمنتم فحملكم ذلك على الإعراض . فإن قلت : بم انتصب " جانب البر " ؟ قلت : بيخسف مفعولا به كالأرض في قوله " فخسفنا به وبداره الأرض " القصص : 81 ، . و " بكم " حال . والمعنى : أن يخسف جانب البر أي يقلبه وأنتم عليه . فإن قلت فما معنى ذكر الجانب ؟ قلت : معناه أن الجوانب والجهات كلها في قدرته سواء وله في كل جانب برا كان أو بحرا سبب مرصد من أسباب الهلكة ليس جانب البحر وحده مختصا بذلك بل إن كان الغرق في جانب البحر ففي جانب البر ما هو مثله وهو الخسف لأنه تغييب تحت التراب بهما أن الغرق تغييب تحت الماء فالبر والبحر عنده سيان يقدر في البر على نحو ما يقدر عليه في البحر فعلى العاقل أن يستوي خوفه من الله في جميع الجوانب وحيث كان " أو يرسل عليكم حاصبا " وهي الريح التي تحصب أي ترمي بالحصباء يعني : أو إن لم يصبكم بالهلاك من تحتكم بالخسف أصابكم به من فوقكم بريح يرسلها عليكم فيها الحصباء يرجمكم بها فيكون أشد عليكم من الغرق في البحر " وكيلا " من يتوكل بصرف ذلك عنكم " أم أمنتم " أن يقوي دواعيكم ويوفر حوائجكم إلى أن ترجعوا فتركبوا البحر الذي نجاكم منه فأعرضتم فينتقم منكم بأن يرسل " عليكم قاصفا " وهي الريح التي لها قصيف وهو الصوت الشديد كأنها تتقصف أي تتكسر . وقيل : التي لا تمر بشيء إلا قصفته " فيغرقكم " وقرئ بالتاء أي الريح وبالنون وكذلك : نخسف ونرسل ونعيدكم قرأت بالياء والنون . التبيع : المطالب من قوله " فاتباع بالمعروف " البقرة : 178 ، أي مطالبة . قال الشماخ : .
كما لاذ الغريم من التبيع .
يقال : فلان على فلان تبيع بحقه أي مصيطر عليه مطالب له بحقه . والمعنى : أنا نفعل ما نفعل بهم ثم لا تجد أحدا يطالبنا بما فعلنا انتصارا منا ودركا للثأر من جهتنا . وهذا نحو قوله " ولا يخاف عقباها " الشمس : 15 ، " بما كفرتم " بكفرانكم النعمة يريد : إعراضهم حين نجاهم .
" ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا " .
قيل في تكرمة ابن آدم : كرمه الله بالعقل والنطق والتمييز والخط والصورة الحسنة والقامة المعتدلة وتدبير أمر المعاش والمعاد . وقيل بتسليطهم على ما في الأرض وتسخيره لهم . وقيل : كل شيء يأكل بفيه إلا ابن آدم وعن الرشيد : أنه أحضر طعاما فدعا بالملاعق وعنده أبو يوسف فقال له : جاء في تفسير جدك ابن عباس قوله تعالى : " ولقد كرمنا بني آدم " جعلنا لهم أصابع يأكلون بها فأحضرت الملاعق فردها وأكل بأصابعه " وعلى كثير ممن خلقنا " هو ما سوى الملائكة وحسب بني آدم تفضيلا أن ترفع عليهم الملائكة وهم هم ومنزلتهم عند الله منزلتهم . والعجب من المجبرة كيف عكسوا في كل شيء وكابروا حتى جسرتهم عادة المكابرة على العظيمة التي هي تفضيل الإنسان على الملك وذلك بعد ما سمعوا تفخيم الله أمرهم وتكثيره مع التعظيم ذكرهم وعلموا أين أسكنهم وأنى قربهم وكيف نزلهم من أنبيائه منزلة أنبيائه من أممهم ثم جزهم فرط التعصب عليهم إلى أن لفقوا أقوالا وأخبارا منها :