" وقضى ربك " وأمر أمرا مقطوعا به " ألا تعبدوا " أن مفسرة ولا تعبدوا نهي . أو بأن لا تعبدوا " وبالوالدين إحسانا " وأحسنوا بالوالدين إحسانا . أو بأن تحسنوا بالوالدين إحسانا وقرئ : وأوصى وعن ابن عباس رضي الله عنهما : ووصى . وعن بعض ولد معاذ بن جبل : وقضاء ربك . ولا يجوز أن يتعلق الباء في بالوالدين بالإحسان : لأن المصدر لا يتقدم عليه صلته " إما " هي إن الشرطية زيدت عليها ما تأكيدا لها ولذلك دخلت النون المؤكدة في الفعل ولو أفردت إن لم يصح دخولها لا تقول : إن تكرمن زيدا يكرمك ولكن إما تكرمنه . و " وأحدهما " فاعل يبلغن وهو فيمن قرأ يبلغان بدل من ألف الضمير الراجع إلى الوالدين و " كلاهما " عطف على أحدهما فاعلا وبدلا . فإن قلت : لو قيل إما يبلغان كلاهما كان كلاهما توكيدا لا بدلا فمالك زعمت أنه بدل ؟ قلت : لأنه معطوف على ما لا يصح أن يكون توكيدا للاثنين فانتظم في حكمه فوجب أن يكون مثله . فان قلت : ما ضرك لو جعلته توكيدا مع كون المعطوف عليه بدلا وعطفت التوكيد على البدل ؟ قلت : لو أريد توكيد التثنية لقيل : كلاهما فحسب فلما قيل : أحدهما أو كلاهما علم أن التوكيد غير مراد فكان بدلا مثل الأول " أف " صوت يدل على تضجر . وقرئ : أف بالحركات الثلاث منونا وغير منون : الكسر على أصل البناء والفتح تخفيف للضمة والتشديد كثم والضم إتباع كمنذ . فإن قلت : ما معنى عندك ؟ قلت : هو أن يكبرا ويعجزا وكانا كلا على ولدهما لا كافل لهما غيره فهما عنده في بيته وكنفه وذلك أشق عليه وأشد احتمالا وصبرا وربما تولى منهما ما كانا يتوليان منه في حال الطفولة فهو مأمور بأن يستعمل معهما وطأة الخلق ولين الجانب والاحتمال حتى لا يقول لهما إذا أضجره ما يستقذر منهما أو يستثقل من مؤنهما : أف فضلا عما يزيد عليه . ولقد بالغ سبحانه في التوصية بهما حيث افتتحها بأن شفع الإحسان إليهما بتوحيده ونظمهما في سلك القضاء بهما معا ثم ضيق الأمر في مراعاتهما حتى لم يرخص في أدنى كلمة تنفلت من المتضجر مع موجبات الضجر ومقتضياته ومع أحوال لا يكاد يدخل صبر الإنسان معها في استطاعة " ولا تنهرهما " ولا تزجرهما عما يتعاطيانه مما لا يعجبك . والنهي والنهر والنهم : أخوات " وقل لهما " بدل التأفيف والنهر " قولا كريما " جميلا كما يقتضيه حسن الأدب والنزول على المروءة . وقيل : هو أن يقول : يا أبتاه يا أماه كما قال إبراهيم لأبيه : يا أبت مع كفره ولا يدعوهما . بأسمائهما فإنه من الجفا وسوء الأدب وعادة الدعار . قالوا : ولا بأس به في غير وجهه كما قالت عائشة Bها : نحلني أبو بكر كذا . وقرئ : جناح الذل الذل : بالضم والكسر فإن قلت : ما معنى قوله " جناح الذل " ؟ قلت : فيه وجهان أحدهما : أن يكون المعنى : واخفض لهما جناحك كما قال " واخفض جناحك للمؤمنين " الحجر : 88 ، فأضافه إلى الذل أو الذل كما أضيف حاتم إلى الجود على معنى : واخفض لهما جناحك الذليل أو الذلول . والثاني : أن تجعل لذله أو لذله لهما جناحا خفيضا كما جعل لبيد للشمال يدا وللقوة زماما مبالغة في التذلل والتواضع لهما " من الرحمة " من فرط رحمتك لهما وعطفك عليهما لكبرهما وافتقارهما اليوم إلى من كان أفقر خلق الله إليهما بالأمس ولا تكتف برحمتك عليهما التي لا بقاء لها وادع الله بأن يرحمهما رحمته الباقية واجعل ذلك جزاء لرحمتهما عليك في صغرك وتربيتهما لك . فإن قلت : الاسترحام لهما إنما يصح إذا كانا مسلمين . قلت : وإذا كانا كافرين فله أن يسترحم لهما بشرط الإيمان وأن يدعو الله لهما بالهداية والإرشاد ومن الناس من قال : كان الدعاء للكفار جائزا ثم نسخ وسئل ابن عيينة عن الصدقة عن الميت فقال : كل ذلك واصل إليه ولا شيء أنفع له من الاستغفار ولو كان شيء أفضل منه لأمركم به في الأبوين . ولقد كرر الله سبحانه في كتابه الوصية بالوالدين . وعن النبي A : " رضا الله في رضا الوالدين وسخطه في سخطهما " وروي : " يفعل البار ما يشاء أن يفعل فلن يدخل النار ويفعل العاق ما يشاء أن يفعل فلن يدخل الجنة " وروي سعيد بن المسيب : إن البار لا يموت ميتة سوء