" والذين يدعون " والآلهة الذين يدعوهم الكفار " من دون الله " وقرئ بالتاء . وقرئ : يدعون على البناء للمفعول نفى عنهم خصائص الإلهية بنفي كونهم خالقين وأحياء لا يموتون وعالمين بوقت البعث وأثبت لهم صفات الخلق بأنهم مخلوقون وأنهم أموات وأنهم جاهلون بالغيب . ومعنى : " أموات غير أحياء " أنهم لو كانوا آلهة على الحقيقة لكانوا أحياء غير أموات أي غير جائز عليها الموت كالحي الذي لا يموت وأمرهم على العكس من ذلك . والضمير في " يبعثون " للداعين أي لا يشعرون متى تبعث عبدتهم . وفيه تهكم بالمشركين وأن آلهتهم لا يعلمون وقت بعثهم فكيف يكون لهم وقت جزاء منهم على عبادتهم . وفيه دلالة على أنه لا بد من البعث وأنه من لوازم التكليف . ووجه آخر : وهو أن يكون المعنى أن الناس يخلقونهم بالنحت والتصوير وهم لا يقدرون على نحو ذلك فهم أعجز من عبدتهم أموات جمادات لا حياة فيها غير أحياء يعني أن من الأموات ما يعقب موته حياة كالنطف التي ينشئها الله حيوانا وأجساد الحيوان التي تبعث بعد موتها . وأما الحجارة فأموات لا يعقب موتها حياة وذلك أعرق في موتها " وما يشعرون أيان يبعثون " أي وما يعلم هؤلاء الآلهة متى تبعث الأحياء تهكم بحالها لأن شعور الجماد محال فكيف بشعور ما لا يعلمه حي إلا الحي القيوم سبحانه . ووجه ثالث : وهو أن يراد بالذين يدعون الملائكة وكان ناس منهم يعبدونهم وأنهم أموات : أي لا بد لهم من الموت غير أحياء : غير باقية حياتهم . وما يشعرون : ولا علم لهم بوقت بعثهم . وقرئ : إيان بكسر الهمزة .
" إلهكم إله واحد فالذين لا يؤمنون بالآخرة قلوبهم منكرة وهم مستكبرون لا جرم أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون إنه لا يحب المستكبرين " .
" إلهكم إله واحد " يعني أنه قد ثبت بما تقدم من إبطال أن تكون الإلهية لغيره وأنها له وحده لا شريك له فيها فكان من نتيجة ثبات الوحدانية ووضوح دليلها : استمرارهم على شركهم وأن قلوبهم منكرة للوحدانية وهم مستكبرون عنها وعن الإقرار بها " لا جرم " حقا " إن الله يعلم " سرهم وعلانيتهم فيجازيهم وهو وعيد " إنه لا يحب المستكبرين " يجوز أن يريد المستكبرين عن التوحيد يعني المشركين . ويجوز أن يعم كل مستكبر . ويدخل هؤلاء تحت عمومه .
" وإذا قيل لهم ماذا أنزل ربكم قالوا أساطير الأولين ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم ألا ساء ما يزرون " .
" ماذا " منصوب بأنزل بمعنى : أي شيء " أنزل ربكم " أو مرفوع بالابتداء بمعنى : أي شيء أنزله ربكم فإذا نصبت فمعنى " أساطير الأولين " ما يدعون نزوله أساطير الأولين وإذا رفعته فالمعنى : المنزل أساطير الأولين كقوله : " ماذا ينفقون قل العفو " البقرة : 219 ، فيمن رفع . فإن قلت : هو كلام متناقض لأنه لا يكون منزل ربهم وأساطير ؟ قلت : هو على السخرية كقوله : " إن رسولكم " الشعراء : 27 ، وهو كلام بعضهم لبعض أو قول المسلمين لهم وقيل : هو قول المقتسمين : الذين اقتسموا مداخل مكة ينفرون عن رسول الله A إذا سألهم وفود الحاج عما أنزل على رسول الله A قالوا أحاديث الأولين وأباطيلهم " ليحملوا أوزارهم " أي قالوا ذلك إضلالا للناس وصدا عن رسول الله A فحملوا أو زاد ضلالهم " كاملة " وبعض أوزار من ضل بضلالهم وهو وزر الإضلال لأن المضل والضال شريكان : هذا يضله وهذا يطاوعه على إضلاله فيتحاملان الوزر ومعنى اللام التعليل من غير أن يكون غرضا كقولك : خرجت من البلد مخافة الشر " بغير علم " حال من المعفول أي يضلون من لا يعلم أنهم ضلال وإنما وصف بالضلال واحتمال الوزر من أضلوه وإن لم يعلم لأنه كان عليه أن يبحث وينظر بعقله حتى يميز المحق والمبطل .
" قد مكر الذين من قبلهم فأتى الله بنيانهم من القواعد فخر عليهم السقف من فوقهم وآتاهم العذاب من حيث لا يشعرون ثم يوم القيامة يخزيهم ويقول أين شركائي الذين كنتم تشاقون فيهم قال الذين أوتوا العلم إن الخزي اليوم والسوء على الكافرين الذين تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم فألقوا السلم ما كنا نعمل من سوء بلى إن الله عليم بما كنتم تعملون فادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها فلبئس مثوى المتكبرين "