فإن قلت قوله تعالى : " إلا آل لوط " استثناء متصل أو منقطع ؟ قلت لا يخلو من أن يكون استثناء من قوم فيكون منقطعا لأن القوم موصوفون بالإجرام فاختلف لذلك الجنسان وأن يكون استثناء من الضمير في مجرمين فيكون متصلا كأنه قيل : إلى قوم قد أجرموا كلهم إلا آل لوط وحدهم كما قال " فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين " الذاريات : 36 ، . فإن قلت : فهل يختلف المعنى لاختلاف الاستثناءين ؟ قلت : نعم وذلك أن آل لوط مخرجون في المنقطع من حكم الإرسال وعلى أنهم أرسلوا إلى القوم المجرمين خاصة ولم يرسلوا إلى آل لوط أصلا . ومعنى إرسالهم إلى القوم المجرمين كإرسال الحجر أو السهم إلى المرمي . في أنه في معنى التعذيب والإهلاك كأنه قيل : إنا أهلكنا قوما مجرمين ولكن آل لوط أنجيناهم . وأما في المتصل فهم داخلون في حكم الإرسال وعلى أن الملائكة أرسلوا إليهم جميعا ليهلكوا هؤلاء وينجوا هؤلاء فلا يكون الإرسال مخلصا بمعنى الإهلاك والتعذيب كما في الوجه الأول . فإن قلت : فقوله " إنا لمنجوهم " بم يتعلق على الوجهين ؟ قلت : إذا انقطع الاستثناء جرى مجرى خبر لكن في الاتصال بآل لوط لأن المعنى . لكن آل لوط منجون وإذا اتصل كان كلاما مستأنفا كأن إبراهيم عليه السلام قال لهم فما حال آل لوط فقالوا : إنا لمنجوهم . فإن قلت : فقوله : " إلا امرأته " مم استثني ؟ وهل هو استثناء من استثناء ؟ قلت : استثنى من الضمير المجرور في قوله " لمنجوهم " وليس من الاستثناء من الاستثناء في شيء ؟ لأن الاستثناء من الاستثناء إنما يكون فيما اتحد الحكم فيه وأن يقال : أهلكناهم إلا آل لوط إلا امرأته كما اتحد الحكم في قول المطلق : أنت طالق ثلاثا إلا اثنتين إلا واحدة . وفي قول المقر : لفلان علي عشرة دراهم إلا ثلاثة إلا درهما . فأما في الآية فقد اختلف الحكمان لأن " إلا آل لوط " متعلق بأرسلنا أو بمجرمين و " إلا امرأته " قد تعلق بمنجوهم فأنى يكون استثناء من استثناء . وقرئ : لمنجوهم بالتخفيف والتثقيل . فإن قلت : لم جاز تعليق فعل التقدير في قوله " قدرنا إنها لمن الغابرين " والتعليق من خصائص أفعال القلوب ؟ قلت : لتضمن فعل التقدير معنى العلم ولذلك فسر العلماء تقدير الله أعمال العباد بالعلم . فإن قلت : فلم أسند الملائكة فعل التقدير وهو لله وحده إلى أنفسهم ولم يقولوا : قدر الله ؟ قلت : لما لهم من القرب والاختصاص بالله الذي ليس لأحد غيرهم كما يقول خاصة الملك : دبرنا كذا وأمرنا بكذا والمدبر والآمر هو الملك لا هم وإنما يظهرون بذلك اختصاصهم وأنهم لا يتميزون عنه . وقرئ : قدرنا بالتخفيف .
" فلما جاء آل لوط المرسلون قال إنكم قوم منكرون قالوا بل جئناك بما كانوا فيه يمترون وآتيناك بالحق وإنا لصادقون فأسر بأهلك بقطع من الليل واتبع أدبارهم ولا يلتفت منكم أحد وامضوا حيث تؤمرون وقضينا إليه ذلك الأمر أن دابر هؤلاء مقطوع مصبحين " .
" منكرون " أي تنكركم نفسي وتنفر منكم فأخاف أن تطرقوني بشر بدليل قوله : " بل جئناك بما كانوا فيه يمترون " أي ما جئناك بما تنكرنا لأجله بل جئناك بما فيه فرحك وسرورك وتشفيك من عدوك وهو العذاب الذي كنت تتوعدهم بنزوله فيمترون فيه ويكذبونك " بالحق " باليقين من عذابهم " وإنا لصادقون " في الإخبار بنزوله بهم . وقرئ : فأسر بقطع الهمزة ووصلها من أسرى وسرى . وروى صاحب الإقليد : فسر من السير والقطع في آخر الليل . قال : .
وقيل الباب وانظري في النجوم ... كم علينا من قطع ليل بهيم