" وإذ قال ربك " واذكر وقت قوله " سويته " عدلت خلقته وكملتها وهيأتها لنفخ الروح فيها . ومعنى " ونفخت فيه من روحي " وأحييته وليس ثمة نفخ ولا منفوخ وإنما هو تمثيل لتحصيل ما يحيا به فيه . واستثنى إبليس من الملائكة لأنه كان بينهم مأمورا معهم بالسجود فغلب اسم الملائكة ثم استثنى بعد التغليب كقولك : رأيتهم إلا هندا . و " أبى " استئناف على تقدير قول قائل بقول : هلا سجد ؟ فقيل : أبى ذلك واستكبر عنه . وقيل : معناه ولكن إبليس أبى . حرف الجر مع أن محذوف . وتقديره " ما لك " في " ألا تكون مع الساجدين " بمعنى أي غرض لك في إبائك السجود . وأي داع لك إليه . اللام في " لأسجد " لتأكيد النفي . ومعناه : لا يصح مني وينافي حالي . ويستحيل أن أسجد لبشر " رجيم " شيطان من الذين يرجمون بالشهب أو مطرود من رحمة الله ؟ لأن من يطرد يرجم بالحجارة . ومعناه : ملعون لأن اللعن هو الطرد من الرحمة والإبعاد منها . والضمير في " منها " راجع إلى الجنة أو السماء أو إلى جملة الملائكة . وضرب يوم الدين حدا للعنة إما لأنه أبعد غاية يضربها الناس في كلامهم كقوله " ما دامت السموات والأرض " هود : 107 ، في التأبيد . وإما أن يراد أنك مذموم مدعو عليك باللعن في السموات والأرض إلى يوم الدين من غير أن تعذب فإذا جاء ذلك اليوم عذبت بما ينسى اللعن معه . و " يوم الدين " و " يوم يبعثون " و " يوم الوقت المعلوم " الحجر : 38 ، في معنى واحد ولكن خولف بين العبارات سلوكا بالكلام طريقة البلاغة . وقيل : إنما سأل الإنظار إلى اليوم الذي فيه يبعثون لئلا يموت لأنه لا يموت يوم البعث أحد فلم يجب إلى ذلك وأنظر إلى آخر أيام التكليف " بما أغويتني " الباء للقسم . وما مصدرية وجواب القسم " لأزينن " المعنى : أقسم بإغوائك إياي لأزينن لهم . ومعنى إغوائه إياه : تسبيبه لغيه بأن أمره بالسجود لآدم عليه السلام فأفضى ذلك إلى غيه . وما الأمر بالسجود إلا حسن وتعريض للثواب بالتواضع والخضوع لأمر الله ولكن إبليس اختار الإباء والاستكبار فهلك والله تعالى بريء من غيه ومن إرادته والرضا به ونحو قوله " بما أغويتني لأزينن لهم " قوله : " فبعزتك لأغوينهم أجمعين " ص : 82 ، في أنه إقسام إلا أن أحدهما إقسام بصفته والثاني إقسام بفعله وقد فرق الفقهاء بينهما . ويجوز أن لا يكون قسما ويقدر قسم محذوف ويكون المعنى : بسبب تسبيبك لإغوائي أقسم لأفعلن بهم نحو ما فعلت بي من التسبيب لإغوائهم بأن أزين لهم المعاصي وأوسوس إليهم ما يكون سبب هلاكهم " في الأرض " في الدنيا التي هي دار الغرور كقوله تعالى " أخلد إلى الأرض واتبع هواه " الأعراف : 176 ، أو أراد أني أقدر على الاحتيال لآدم والتزيين له الأكل من الشجرة وهو في السماء فأنا على التزيين لأولاده في الأرض أقدر . أو أراد : لأجعلن مكان التزيين عندهم الأرض ولأوقعن تزييني فيها أي : لأزيننها في أعينهم ولأحدثنهم بأن الزينة في الدنيا وحدها حتى يستحبوها على الآخرة ويطمئنوا إليها دونها . ونحوه : .
...... يجرح في عراقيبها نصلي .
استثنى المخلصين لأنه علم أن كيده لا يعمل فيهم ولا يقبلون منه . أي " هذا " طريق حق " علي " أن أراعيه وهو أن لا يكون لك سلطان على عبادي إلا من اختار اتباعك منهم لغوايته : وقرئ : علي وهو من علو الشرف والفضل " لموعدهم " الضمير للغاوين . وقيل : أبواب النار أطباقها وأدراكها فأعلاها للموحدين والثاني لليهود والثالث للنصارى والرابع للصابئين والخامس للمجوس والسادس للمشركين والسابع للمنافقين وعن ابن عباس Bه : إن جهنم لمن ادعى الربوبية ولظى لعبدة النار والحطمة لعبدة الأصنام وسقر لليهود والسعير للنصارى والجحيم للصابئين والهاوية للموحدين . وقرئ : جزء بالتخفيف والتثقيل . وقرأ الزهري : جز بالتشديد كأنه حذف الهمزة وألقى حركتها على الزاي كقولك : خبء في خبء ثم وقف عليه بالتشديد كقولهم : الرجل ثم أجرى الوصل مجرى الوقف .
" إن المتقين في جنات وعيون ادخلوها في سلام آمنين ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا على سرر متقابلين لا يمسهم فيها نصب وما هم فيها بمخرجين "