وقرئ : تهوى إليهم على البناء للمفعول من هوى إليه وأهواه غيره . وتهوى إليهم من هوى يهوي إذا أحب ضمن معنى تنزع فعدى تعديته " وارزقهم من الثمرات " مع سكناهم واديا ما فيه شيء منها بأن تجلب إليهم من البلاد " لعلهم يشكرون " النعمة في أن يرزقوا أنواع الثمرات حاضرة في واد يباب ليس فيه نجم ولا شجر ولا ماء لا جرم أن الله D أجاب دعوته فجعله حرما آمنا تجبى إليه . ثمرات كل شيء رزقا من لدنه ثم فضله في وجود أصناف الثمار فيه على كل ريف وعلى أخصب البلاد وأكثرها ثمارا وفي أي بلد من بلاد الشرق والغرب ترى الأعجوبة التي يريكها الله بواد غير ذي زرع وهي اجتماع البواكير والفواكه المختلفة الأزمان من الربيعية والصيفية والخريفية في يوم واحد وليس ذلك من آياته بعجيب متعنا الله بسكنى حرمه ووفقنا لشكر نعمه وأدام لنا التشرف بالدخول تحت دعوة إبراهيم عليه السلام ورزقنا طرفا من سلامة ذلك القلب السليم .
" ربنا إنك تعلم ما نخفي وما نعلن وما يخفى على الله من شيء في الأرض ولا في السماء الحمد لله الذي وهب لي على الكبر إسماعيل وإسحاق إن ربي لسميع الدعاء " .
النداء المكرر دليل التضرع واللجأ إلى الله تعالى " إنك تعلم ما نخفي وما نعلن " تعلم السر كما تعلم العلن علما لا تفاوت فيه لأن غيبا من الغيوب لا يحتجب عنك . والمعنى : أنك أعلم بأحوالنا وما يصلحنا وما يفسدنا منا وأنت أرحم بنا وأنصح لنا منا بأنفسنا ولها فلا حاجة إلى الدعاء والطلب وإنما ندعوك إظهارا للعبودية لك وتخشعا لعظمتك وتذللا لعزتك وافتقارا إلى ما عندك واستعجالا لنيل أياديك وولها إلى رحمتك وكما يتملق العبد بين يدي سيده رغبة في إصابة معروفه مع توفر السيد على حسن الملكة . وعن بعضهم : أنه رفع حاجته إلى كريم فأبطأ عليه النجح فأراد أن يذكره فقال : مثلك لا يذكر استقصارا ولا توهما للغفلة عن حوائج السائلين ولكن ذا الحاجة لا تدعه حاجته أن لا يتكلم فيها . وقيل : ما تخفي من الوجد لما وقع بيننا من الفرقة وما نعلن من البكاء والدعاء . وقيل : ما نخفي من كآبة الافتراق وما نعلن : يريد ما جرى بينه وبين هاجر حين قالت له عند الوداع : إلى من تكلنا ؟ قال : إلى الله أكلكم . قالت : الله أمرك بهذا ؟ قال : نعم . قالت : إذن لا نخشى تركتنا إلى كاف " وما يخفى على الله من شيء " من كلام الله D تصديقا لإبراهيم عليه السلام كقوله : " وكذلك يفعلون " النمل : 134 أو من كلام إبراهيم يعني : وما يخفى على الله الذي هو عالم الغيب من شيء في كل مكان . ومن للاستغراق كأنه قيل : وما يخفى عليه شيء ما . " على " في قوله : " على الكبر " بمعنى مع كقوله : .
إني على ما ترين من كبرى ... أعلم من حيث تؤكل الكتف .
وهو في موضع الحال معناه : وهب لي وأنا كبير وفي حال الكبر . روي أن إسماعيل ولد له وهو ابن تسع وتسعين سنة وولد له إسحاق وهو ابن مائة وثنتي عشرة سنة وقد روي أنه ولد له إسماعيل لأربع وستين . وإسحاق لتسعين . وعن سعيد بن جبير : لم يولد لإبراهيم إلا بعد مائة وسبع عشرة سنة وإنما ذكر حال الكبر لأن المنة بهبة الولد فيها أعظم من حيث أنها حال وقوع اليأس من الولادة . والظفر بالحاجة على عقب اليأس من أجل النعم وأحلاها في نفس الظافر ولأن الولادة في تلك السن العالية كانت آية لإبراهيم " إن ربي لسميع الدعاء " كان قد دعا ربه وسأله الولد فقال : رب هب لي من الصالحين فشكر لله ما أكرمه به من إجابته فإن قلت : الله تعالى يسمع كل دعاء أجابه أو لم يجبه . قلت : هو من قولك : سمع الملك كلام فلان إذا اعتد به وقبله ومنه : سمع الله لمن حمده وفي الحديث .
" ما أذن الله لشيء كإذنه لنبي يتغنى بالقرآن " فإن قلت : ما هذه الإضافة إضافة السميع إلى الدعاء ؟ قلت : إضافة الصفة إلى مفعولها وأصله لسميع الدعاء . وقد ذكر سيبويه فعيلا في جملة أبنية المبالغة العاملة عمل الفعل كقولك : هذا ضروب زيدا وضراب أخاه ومنحار إبله وحذر أمورا ورحيم أباه ويجوز أن يكون من إضافة فعيل إلى فاعله ويجعل دعاء الله سميعا على الإسناد المجازي . والمراد سماع الله .
" رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي ربنا وتقبل دعاء ربنا اغفر لي ولوالدي وللمؤمنين يوم يقوم الحساب "