فلان يركب الخيل ويلبس عمائم الخز لمن لا يركب إلا فرسا واحدا وما له إلا عمامة فردة تزيدا في الوصف فهؤلاء أيضا تزيدوا في وصف الحلم بالبطلان فجعلوه أضغاث أحلام . ويجوز أن يكون قد قص عليهم مع هذه الرؤيا رؤيا غيرها " وما نحن بتأويل الأحلام بعالمين " إما أن يريدوا بالأحلام المنامات الباطلة خاصة فيقولوا : ليس لها عندنا تأويل فإن التأويل إنما هو للمنامات الصحيحة الصالحة وإما أن يعترفوا بقصور علمهم وأنهم ليسوا في تأويل الأحلام بنحارير .
" وقال الذي نجا منها وادكر بعد أمة أنا أنبئكم بتأويله فأرسلون " .
قرئ : وادكر بالدال وهو الفصيح . وعن الحسن : واذكر بالذال المعجمة . والأصل تذكر أي تذكر الذي نجا من الفتيين من القتل يوسف وما شاهد منه " بعد أمة " بعد مدة طويلة وذلك أنه حين استفتى الملك في رؤياه وأعضل على الملأ تأويلها تذكر الناجي يوسف وتأويله رؤياه ورؤيا صاحبه وطلبه إليه أن يذكره عند الملك . وقرأ الأشهب العقيلي بعد إمة بكسر الهمزة والإمة النعمة . قال عدي : .
ثم بعد الفلاح والملك الإم ... ة وارتهم هناك القبور .
أي بعد ما أنعم عليه بالنجاة . وقرئ : بعد أمه بعد نسيان . يقال : أمه يأمه أمها إذا نسي . ومن قرأ بسكون الميم فقد خطئ " أنا أنبئكم بتأويله " أنا أخبركم به عمن عنده علمه . وفي قراءة الحسن : أنا آتيكم بتأويله " فأرسلون " فابعثوني إليه لأسأله ومروني باستعباره وعن ابن عباس : لم يكن السجن في المدينة .
" يوسف أيها الصديق أفتنا في سبع بقرات سمان يأكلن سبع عجاف وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات لعلي أرجع إلى الناس لعلهم يعلمون " .
المعنى فأرسلوه إلى يوسف فأتاه فقال " يوسف أيها الصديق " أيها البليغ في الصدق وإنما قال له ذلك لأنه ذاق أحواله وتعرف صدقه في تأويل رؤياه ورؤيا صاحبه حيث جاء كما أول ولذلك كلمه كلام محترز فقال " لعلي أرجع إلى الناس لعلهم يعلمون " لأنه ليس على يقين من الرجوع فربما اخترم دونه ولا من علمهم فربما لم يعلموا أو معنى " لعلهم يعلمون " لعلهم يعلمون فضلك ومكانك من العلم فيطلبوك ويخلصوك من محنتك .
" قال تزرعون سبع سنين دأبا فما حصدتم فذروه في سنبله إلا قليلا مما تأكلون ثم يأتي من بعد ذلك سبع شداد يأكلن ما قدمتم لهن إلا قليلا مما تحصنون ثم يأتي من بعد ذلك عام فيه يغاث الناس وفيه يعصرون " .
" تزرعون " خبر في معنى الأمر كقوله : " تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون " الصف : 11 ، وإنما يخرج الأمر في صورة الخبر للمبالغة في إيجاب إيجاد المأمور به فيجعل كأنه يوجد فهو يخبر عنه . والدليل على كونه في معنى الأمر قوله : " فذروه في سنبله " . " دأبا " بسكون الهمزة وتحريكها وهما مصدرا : دأب في العمل وهو حال من المأمورين أي دائبين : إما على تدأبون دأبا وإما على إيقاع المصدر حالا بمعنى : ذوي دأب " فذروه في سنبله " لئلا يتسوس . و " يأكلن " من الإسناد المجازي : جعل أكل أهلهن مسندا إليهن " تحصنون " تحرزون وتخبؤن " يغاث الناس " من الغوث أو من الغيث . يقال : غيثت البلاد إذا مطرت . ومنه قول الأعرابية : غثنا ماشئنا . " يعصرون " بالياء والتاء : يعصرون العنب والزيتون والسمسم . وقيل : يحلبون الضروع . وقرئ : يعصرون على البناء للمفعول من عصره إذا أنجاه وهو مطابق للإغاثة ويجوز أن يكون المبني للفاعل بمعنى ينجون كأنه قيل : فيه يغاث الناس وفيه يغيثون أنفسهم أي يغيثهم الله ويغيث بعضهم بعضا وقيل يعصرون يمطرون من أعصرت السحابة . وفيه وجهان : إما أن يضمن أعصرت معنى مطرت فيعدى تعديته . وإما أن يقال : الأصل أعصرت عليهم فحذف الجار وأوصل الفعل . تأول البقرات السمان والسنبلات الخضر بسنين مخاصيب والعجاف واليابسات بسنين مجدبة ثم بشرهم بعد الفراغ من تأويل الرؤيا بأن العام الثامن يجيء مباركا خصيبا كثير الخير غزير النعم وذلك من جهة الوحي . وعن قتادة : زاده الله علم سنة . فإن قلت : معلوم أن السنين المجدبة إذا انتهت كان انتهاؤها بالخصب وإلا لم توصف بالانتهاء فلم قلت إن علم ذلك من جهة الوحي ؟ قلت : ذلك معلوم علما مطلقا لا مفصلا . وقوله " وفيه يغاث الناس وفيه يعصرون " تفصيل لحال العام وذلك لا يعلم إلا بالوحي