وهي حرف من حروف الجر فوضعت موضع التنزيه والبراءة فمعنى حاشا الله براءة الله وتنزيه الله وهي قراءة ابن مسعود على إضافة حاشا إلى الله إضافة البراءة . ومن قرأ : حاشا لله فنحو قولك : سقيا لك ؟ كأنه قال : براءة ثم قال : لله لبيان من يبرأ وينزه . والدليل على تنزيل حاشا منزلة المصدر : قراءة أبي السمال : حاشا لله بالتنوين . وقراءة أبي عمرو حاش لله بحذف الألف الآخرة . وقراءة الأعمش حشا لله بحذف الألف الأولى . وقرئ : حاش لله بسكون الشين على أن الفتحة تبعت الألف في الإسقاط وهي ضعيفة لما فيها من التقاء الساكنين على غير حده . وقرئ : حاشا الإله . فإن قلت : فلم جاز في حاشا لله أن لا ينون بعد إجرائه مجرى : براءة لله ؟ قلت : مراعاة لأصله الذي هو الحرفية . ألا ترى إلى قولهم : جلست من عن يمينه كيف تركوا عن غير معرب على أصله ؟ وعلى في قوله غدت من عليه منقلب الألف إلى الياء مع الضمير ؟ والمعنى : تنزيه الله تعالى من صفات العجز والتعجب من قدرته على خلق جميل مثله . وأما قوله : " حاشا لله ما علمنا عليه من سوء " يوسف : 51 ، فالتعجب من قدرته على خلق عفيف مثله " ما هذا بشر " نفين عنه البشرية لغرابة جماله ومباعدة حسنه لما عليه محاسن الصور وأثبتن له الملكية وبتتن بها الحكم وذلك لأن الله D ركز في الطباع أن لا أحسن من الملك كما ركز فيها أن لا أقبح من الشيطان ولذلك يشبه كل متناه في الحسن والقبح بهما وما ركز ذلك فيها إلا لأن الحقيقة كذلك كما ركز في الطباع أن لا أدخل في الشر من الشياطين ولا أجمع للخير من الملائكة إلا ما عليه الفئة الخاسئة المجبرة من تفضيل الإنسان على الملك وما هو إلا من تعكيسهم للحقائق وجحودهم للعلوم الضرورية ومكابرتهم في كل باب وإعمال ما عمل ليس هي اللغة القدامى الحجازية وبها ورد القرآن . ومنها قوله تعالى : " ما هن أمهاتهم " المجادلة : 2 ، ومن قرأ على سليقته من بني تميم قرأ : بشر بالرفع . وهي في قراءة ابن مسعود . وقرئ : ما هذا بشرى أي ما هو بعبد مملوك لئيم " إن هذا إلا ملك كريم " تقول هذا بشرى . أي حاصل بشرى بمعنى : هذا مشرى . وتقول : هذا لك بشري أم بكري ؟ والقراءة هي الأولى لموافقتها المصحف ؟ ومطابقة بشر لملك " قالت فذلكن " ولم يقل فهذا وهو حاضر رفعا لمنزلته في الحسن واستحقاق أن يحب ويفتتن به وربئا بحاله واستبعادا لمحله ويجوز أن يكون إشارة إلى المعنى بقولهن : عشقت عبدها الكنعاني . تقول : هو ذلك العبد الكنعاني الذي صورتن في أنفسكن ثم لمتنني فيه . تعني : أنكن لم تصورنه بحق صورته ولو صورتنه بما عاينتن لعذرتني في الافتنان به . الاستعصام : بناء مبالغة يدل على الامتناع البليغ والتحفظ الشديد كأنه في عصمة وهو يجتهد في الاستزادة منها . ونحوه استمسك واستوسع الفتق واستجمع الرأي واستفحل الخطب . وهذا بيان لما كان من يوسف عليه السلام لا مزيد عليه وبرهان لا شيء أنور منه على أنه بريء مما أضاف إليه أهل الحشو مما فسروا به الهم والبرهان . فإن قلت : الضمير في " آمره " راجع إلى الموصول أم إلى يوسف ؟ قلت : بل إلى الموصول . والمعنى : ما آمر به فحذف الجار كما في قولك : أمرتك الخير ويجوز أن تجعل ما مصدرية فيرجع إلى يوسف ومعناه : ولئن لم يفعل أمري إياه أي موجب أمري ومقتضاه . قرئ : وليكونا بالتشديد والتخفيف . والتخفيف أولى لأن النون كتبت في المصحف ألفا على حكم الوقف وذلك لا يكون إلا في الخفيفة .
" قال رب السجن أحب إلى مما يدعونني إليه وإلا تصرف عني كيدهن أصب إليهن وأكن من الجاهلين فاستجاب له ربه فصرف عنه كيدهن إنه هو السميع العليم "