" قالوا يا أبانا ما لك لا تأمنا على يوسف وإنا له لناصحون أرسله معنا غدا يرتع ويلعب وإنا له لحافظون " .
" ما لك لا تأمنا " قرئ بإظهار النونين وبالإدغام بإشمام وبغير إشمام . وتيمنا بكسر التاء مع الإدغام . والمعنى : لم تخافنا عليه ونحن نريد له الخير ونحبه ونشفق عليه ؟ وما وجد منا في بابه ما يدل على خلاف النصيحة والمقة وأرادوا بذلك لما عزموا على كيد يوسف استنزاله عن رأيه وعادته في حفظه منهم . وفيه دليل على أنه أحس منهم بما أوجب أن لا يأمنهم عليه " نرتع " نتسع في أكل الفواكه وغيرها . وأصل الرتعة : الخصب والسعة . وقرئ : نرتع من ارتعى يرتعي . وقرئ : يرتع ويلعب بالياء ويرتع من أرتع ماشيته . وقرأ العلاء بن سيابة : يرتع بكسر العين ويلعب بالرفع على الابتداء . فإن قلت : كيف استجاز لهم يعقوب عليه السلام اللعب ؟ قلت : كان لعبهم الاستباق والانتضال . ليضروا أنفسهم بما يحتاج إليه لقتال العدو لا للهو بدليل قوله " إنا ذهبنا نستبق " يوسف : 107 ، وإنما سموه لعبا لأنه في صورته .
" قال إني ليحزنني أن تذهبوا به وأخاف أن يأكله الذئب وأنتم عنه غافلون " .
" ليحزنني " اللام لام الابتداء كقوله : " إن ربك ليحكم بينهم " النحل : 124 ، ودخولها أحد ما ذكره سيبويه من سبي المضارعة . اعتذر إليهم بشيئين أحدهما : أن ذهابهم به ومفارقته إياه مما يحزنه لأنه كان لا يصبر عنه ساعة . والثاني : خوفه عليه من عدوة الذئب إذا غفلوا عنه برعيهم ولعبهم أو قل به اهتمامهم ولم تصدق بحفظه عنايتهم . وقيل : رأى في النوم أن الذئب قد شد على يوسف فكان يحذره فمن ثم قال ذلك فلقنهم العلة وفي أمثالهم : البلاء موكل بالمنطق . وقرئ : الذئب بالهمزة على الأصل وبالتخفيف . وقيل : اشتقاقه من تذاءبت الريح إذا أتت من كل جهة .
" قالوا لئن أكله الذئب ونحن عصبة إنا إذا لخاسرون " .
القسم محذوف تقديره : والله " لئن أكله الذئب " واللام موطئة للقسم . وقوله : " إنا إذا لخاسرون " جواب للقسم مجزئ عن جزاء الشرط والواو في " ونحن عصبة " واو الحال : حلفوا له لئن كان ما خافه من خطفة الذئب أخاهم من بينهم وحالهم أنهم عشرة رجال بمثلهم تعصب الأمور وتكفى الخطوب إنهم إذا لقوم خاسرون أي هالكون ضعفا وخورا وعجزا . أو مستحقون أن يهلكوا لأنه لا غناء عندهم ولا جدوى في حياتهم . أو مستحقون لأن يدعي عليهم بالخسارة والدمار وأن يقال : خسرهم الله ودمرهم حين أكل الذئب بعضهم وهم حاضرون . وقيل : إن لم نقدر على حفظ بعضنا فقد هلكت مواشنا إذا وخسرناها فإن قلت : قد اعتذر إليهم بعذرين فلم أجابوا عن أحدهما دون الآخر ؟ قلت : هو الذي كان يغيظهم ويذيقهم الأمرين فأعاروه آذانا صما ولم يعبؤوا به .
" فلما ذهبوا به وأجمعوا أن يجعلوه في غيابت الجب وأوحينا إليه لتنبئنهم بأمرنا هذا وهم لا يشعرون "