" إنما يأتيكم به الله " أي ليس الإتيان بالعذاب إلي إنما هو إلى من كفرتم به وعصيتموه " إن شاء " يعني إن اقتضت حكمته أن يعجله لكم . وقرأ ابن عباس رضي الله عنه . فأكثرت جدلنا فإن قلت : ما وجه ترادف هذين الشرطين ؟ قلت : قوله : " إن كان الله يريد أن يغويكم " جزاؤه ما دل عليه قوله : " لا ينفعكم نصحي " وهذا الدال في حكم ما دل عليه فوصل بشرط كما وصل الجزاء بالشرط في قولك : إن أحسنت إلي أحسنت إليك إن أمكنني . فإن قلت : فما معنى قوله : " إن كان الله يريد أن يغويكم " ؟ قلت : إذا عرف الله من الكافر الإصرار فخلاه وشأنه ولم يلجئه سمى ذلك إغواء وإضلالا كما أنه إذا عرف منه أنه يتوب ويرعوي فلطف به : سمي إرشادا وهداية . وقيل : " أن يغويكم " أن يهلككم من غوى الفصيل غوي إذا بشم فهلك ومعناه : أنكم إذا كنتم من التصميم على الكفر بالمنزلة التي لا تنفعكم نصائح الله ومواعظه وسائر ألطافه كيف ينفعكم نصحي ؟ " فعلي إجرامي " وإجرامي بلفظ المصدر والجمع . كقوله : والله يعلم إسرارهم وأسرارهم . ونحو : جرم وأجرام قفل وأقفال . وينصر الجمع أن فسره الأولون بآثامي والمعنى : إن صح وثبت أني افتريته فعلي عقوبة إجرامي أي افترائي . وكان حقي حينئذ أن تعرضوا عني وتتألبوا علي " وأنا بريء " يعني ولم يثبت ذلك وأنا بريء منه . ومعنى " مما تجرمون " من إجرامكم في إسناد الافتراء إلي فلا وجه لإعراضكم ومعاداتكم .
" وأوحى إلى نوح أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن فلا تبتئس بما كانوا يفعلون واصنع الفلك بأعيننا ووحينا لا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون " .
" لن يؤمن " إقناط من إيمانهم وأنه كالمحال الذي لا تعلق به للتوقع " إلا من قد آمن " إلا من قد وجد منه ما كان يتوقع من إيمانه وقد للتوقع وقد أصابت محزها " فلا تبتئس " فلا تحزن حزن بائس مستكين قال : .
ما يقسم الله فاقبل غير مبتئس ... منه واقعد كريما ناعم البال .
والمعنى : فلا تحزن بما فعلوه من تكذيبك وإيذائك ومعاداتك فقد حان وقت الانتقام لك منهم " بأعيننا " في موضع الحال بمعنى : اصنعها محفوظا وحقيقته : ملتبسا بأعيننا كأن لله معه أعينا تكلؤه أن يزيغ في صنعته عن الصواب وأن لا يحول بينه وبين عمله أحد من أعدائه . ووحينا : وأنا نوحي إليك ونلهمك كيف تصنع . عن ابن عباس Bه : لم يعلم كيف صنعة الفلك فأوحى الله إليه أن يصنعها مثل جؤجؤ الطائر " لا تخاطبني في الذين ظلموا " ولا تدعني في شأن قومك واستدفاع العذاب عنهم بشفاعتك " إنهم مغرمون " إنهم محكوم عليهم بالإغراق وقد وجب ذلك وقضي به القضاء وجف القلم فلا سبيل إلى كفه كقوله : " يا إبراهيم أعرض عن هذا إنه قد جاء أمر ربك وإنهم آتيهم عذاب غير مردود " هود : 76 .
" ويصنع الفلك وكلما مر عليه ملأ من قومه سخروا منه قال إن تسخروا منا فإنا نسخر منكم كما تسخرون فسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ويحل عليه عذاب مقيم "