شبه فريق الكافرين بالأعمى والأصم وفريق المؤمنين بالبصير والسميع وهو من اللف والطباق . وفيه معنيان : أن يشبه الفريق تشبيهين اثنين كما شبه امرؤ القيس قلوب الطير بالحشف والعناب وأن يشبهه بالذي جمع بين العمى والصمم أو الذي جمع بين البصر والسمع . على أن تكون الواو في " والأصم " وفي " السميع " لعطف الصفة على الصفة كقوله : .
الصابح فالغانم فالآيب .
" هل يستويان " يعني الفريقين " مثلا " تشبيها .
" ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه إني لكم نذير مبين أن لا تعبدوا إلا الله إني أخاف عليكم عذاب يوم أليم " .
أي أرسلنا نوحا بأني لكم نذير . ومعناه أرسلناه ملتبسا بهذا الكلام وهو قوله : " إني لكم نذير مبين " بالكسر فلما اتصل به الجار فتح كما فتح في " كأن " والمعنى على الكسر وهو قولك : إن زيدا كالأسد . وقرئ بالكسر على إرادة القول " أن لا تعبدوا " بدل من " إني لكم نذير " أي أرسلناه بأن لا تعبدوا " إلا الله " أو تكون أن مفسرة متعلقة بأرسلنا أو بنذير وصف اليوم بأليم من الإسناد المجازي لوقوع الألم فيه . فإن قلت : فإذا وصف به العذاب ؟ قلت : مجازي مثله لأن الأليم في الحقيقة هو المعذب ونظيرهما قولك : نهارك صائم وجد جده .
" قال الملأ الذين كفروا من قومه ما نراك إلا بشر مثلنا وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا بادي الرأي وما نرى لكم علينا من فضل بل نظنكم كاذبين " .
" الملأ " الأشراف من قولهم : فلان مليء بكذا إذا كان مطيقا له وقد ملؤا بالأمر لأنهم ملؤا بكفايات الأمور واضطلعوا بها وبتدبيرها . أو لأنهم يتمالؤن أي يتظاهرون ويتساندون أو لأنهم يملؤون القلوب هيبة والمجالس أبهة أو لأنهم ملاء بالأحلام والآراء الصائبة " ما نراك إلا بشر مثلنا " تعريض بأنهم أحق منه بالنبوة وأن الله لو أراد أن يجعلها في أحد من البشر لجعلها فيهم فقالوا : هب أنك واحد من الملأ ومواز لهم في المنزلة فما جعلك أحق منهم ؟ ألا ترى إلى قولهم : وما نرى لكم علينا من فضل . أو أرادوا أنه كان ينبغي أن يكون ملكا لا بشرا . والأراذل جمع الأرذل كقوله : " أكابر مجرميها " الأنعام : 123 ، " أحاسنكم أخلاقا " وقرئ : " بادي الرأي " بالهمز وغير الهمز بمعنى : اتبعوك أول الرأي أو ظاهر الرأي وانتصابه على الظرف أصله : وقت حدوث أول رأيهم أو وقت حدوث ظاهر رأيهم فحذف ذلك وأقيم المضاف إليه مقامه . أرادوا : أن اتباعهم لك إنما هو شيء عن لهم بديهة من غير روية ونظر وإنما استرذلوا المؤمنين لفقرهم وتأخرهم في الأسباب الدنيوية لأنهم كانوا جهالا ما كانوا يعلمون إلا ظاهرا من الحياة الدنيا فكان الأشرف عندهم من له جاه ومال كما ترى أكثر المتسمين بالإسلام يعتقدون ذلك ويبنون عليه إكرامهم وإهانتهم ولقد زل عنهم أن التقدم في الدنيا لا يقرب أحدا من الله وإنما يبعده ولا يرفعه بل يضعه فضلا أن يجعله سببا في الاختيار للنبوة والتأهيل لها على أن الأنبياء عليهم السلام بعثوا مرغبين في طلب الآخرة ورفض الدنيا مزهدين فيها مصغرين لشأنها وشأن من أخلد إليها فما أبعد حالهم من الاتصاف بما يبعد من الله والتشرف بما هو ضعة عند الله " من فضل " من زيادة شرف علينا تؤهلكم للنبوة " بل نظنكم كاذبين " فيما تدعونه .
" قال يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي وآتاني رحمة من عنده فعميت عليكم أنلزمكموها وأنتم لها كارهون يا قوم لا أسألكم عليه مالا إن أجري إلا على الله وما أنا بطارد الذين آمنوا إنهم ملاقوا ربهم ولكني أراكم قوما تجهلون ويا قوم من ينصرني من الله إن طردتهم أفلا تذكرون ولا أقول لكم عندي خزائن الله ولا علم الغيب ولا أقول إني ملك ولا أقول للذين تزدري أعينكم لن يؤتيهم الله خيرا الله أعلم بما في أنفسهم إني إذا لمن الظالمين "