" إن كنا " هي المخففة من الثقيلة واللام هي الفارقة بينها وبين النافية وهم ملائكة والمسيح ومن عبدوه من دون الله من أولي العقل وقيل : الأصنام ينطقها الله D فتشافههم بذلك مكان الشفاعة التي زعموها وعلقوا بها أطماعم " وهنالك " في ذلك مقام وفي ذلك الموقف أوفي ذلك الوقت على استعارة اسم المكان للزمان " تبلوا كل نفس " تختبر وتذوق " ما أسلفت " من العمل فتعرف كيف هو أقبيح أم حسن أنافع أم ضار أمقبول أم مردود كما يختبر الرجل الشيء ويتعرفه ليكتنه حاله . ومنه قوله تعالى : " يوم تبلى السرائر " الطارق : 9 ، وعن عاصم : نبلو كل نفس بالنون ونصب كل : أي نختبرها باختبار ما أسلفت من العمل فنعرف حالها بمعرفة حال عملها : إن كان حسنا فهي سعيدة وإن كان سيئا فهي شقية . والمعنى : نفعل بها فعل الخابر كقوله تعالى : " ليبلوكم أيكم أحسن عملا " هود : 17 ، ويجوز أن يراد نصيب بالبلاء وهو العذاب كل نفس عاصية بسبب ما أسلفت من الشر . وقرئ : " تتلو " أي تتبع ما أسلفت لأن عمله هو الذي يهديه إلى طريق الجنة أو إلى طريق النار . أو تقرأ في صحيفتها ما قدمت من خير أو شر " مولاهم الحق " ربهم الصادق ربوبيته لأنهم كانوا يتولون ما ليس لربوبيته حقيقة . أو : الذي يتولى حسابهم وثوابهم العدل الذي لا يظلم أحدا . وقرئ : الحق بالفتح على كيد قوله : " ردوا إلى الله " كقولك : هذا عبد الله الحق لا الباطل . أو على المدح كقولك : الحمد لله . أهل الحمد " وضل عنهم ما كانوا يفترون " وضاع عنهم ما كانوا يدعون أنهم شركاء لله . أو بطل عنهم ما كانوا يختلقون من الكذب وشفاعة الآلهة .
" قل من يرزقكم من السماء والأرض أمن يملك السمع والأبصار ومن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ومن يدبر الأمر فسيقولون الله فقل أفلا تتقون فذلكم الله ربكم الحق فماذا بعد الحق إلا الضلال فأنى تصرفون كذلك حقت كلمة ربك على الذين فسقوا أنهم لا يؤمنون " .
" قل من يرزقكم من السماء والأرض " أي يرزقكم منهما جميعا لم يقتصر برزقكم على جهة واحدة ليفيض عليكم نعمته ويوسع رحمته " من يملك السمع والأبصار " من يستطيع خلقهما وتسويتهما على الحد الذي سويا عليه من الفطرة العجيبة . أو من يحميهما ويحصنهما من الآفات مع كثرتها في المدد الطوال وهما لطيفان يؤذيهما أدنى شيء بكلاءته وحفظه " ومن يدبر الأمر " ومن يلي تدبير أمر العالم كله جاء بالعموم بعد الخصوص " أفلا تتقون " أفلا تقون أنفسكم ولا تحذرون عليها عقابه فيما أنتم بصدده من الضلال " فذلكم " إشارة إلى من هذه قدرته وأفعاله " ربكم الحق " الثابت ربوبيته ثباتا لا ريب فيه لمن حقق النظر " فماذا بعد الحق إلا الضلال " يعني أن الحق والضلال لا واسطة بينهما فمن تخطى الحق وقع في الضلال " فأنى تصرفون " عن الحق إلى الضلال وعن التوحيد إلى الشرك وعن السعادة إلى الشقاء " كذلك " مثل ذلك الحق " حقت كلمة ربك " أي كما حق وثبت أن الحق بعده الضلال أو كان حق أنهم مصروفون عن الحق فكذلك حقت كلمة ربك " على الذين فسقوا " أي تمردوا في كفرهم وخرجوا إلى الحد الأقصى فيه و " أنهم لا يؤمنون " بدل من الكلمة أي حق عليهم انتفاء الإيمان وعلم الله منهم ذلك . أو حق عليهم كلمة الله أنهم من أهل الخذلان وأن إيمانهم غير كائن . أو أراد بالكلمة : العدة بالعذاب وأنهم لا يؤمنون تعليل بمعنى : لأنهم لا يؤمنون .
" قل هل من شركائكم من يبدأ الخلق ثم يعيده الله يبدأ الخلق ثم يعيده فأنى تؤفكون قل هل من شركائكم يهدي إلى الحق قل الله يهدي إلى الحق أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدي إلا أن يهدي فما لكم كيف تحكمون "