" دار السلام " الجنة أضافها إلى اسمه تعظيما لها . وقيل السلام السلامة لأن أهلها سالمون من كل مكروه . وقيل : لفشو السلام بينهم وتسليم الملائكة عليهم " إلا قيلا سلاما سلاما " الواقعة : 26 ، " ويهدي " ويوفق " من يشاء " وهم الذين علم أن اللطف يجدي عليهم لأن مشيئته تابعة لحكمته ومعناه : يدعو العباد كلهم إلى دار السلام ولا يدخلها إلا المهديون .
" الذين أحسنوا الحسنى وزيادة ولا يرهق وجوههم قتر ولا ذلة أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون " .
" الحسنى " المثوبة الحسنى " وزيادة " وما يزيد على المثوبة وهي التفضل . ويدل عليه قوله تعالى : " ويزيدهم من فضله " النساء : 173 ، وعن علي Bه : الزيادة : غرفة من لؤلؤة واحدة . وعن ابن عباس Bه : الحسنى : الحسنة والزيادة : عشر أمثالها . وعن الحسن Bه : عشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف وعن مجاهد رضي الله عنه : الزيادة مغفرة من الله ورضوان . وعن يزيد بن شجرة : الزيادة أن تمر السحابة بأهل الجنة فتقول : ما تريدون أن أمطركم ؟ فلا يريدون شيئا إلا أمطرتهم . وزعمت المشبهة والمجبرة أن الزيادة النظر إلى وجه الله تعالى وجاءت بحديث مرقوع : " إذا دخل أهل الجنة الجنة نودوا أن يا أهل الجنة فيكشف الحجاب فينظرون إليه فوالله ما أعطاهم الله شيئا هو أحب إليهم منه " " ولا يرهق وجوههم " لا يغشاها " قتر " غبرة فيها سواد " ولا ذلة " ولا أثر هوان وكسوف بال . والمعنى لا يرهقهم ما يرهق أهل النار إذكارا بما ينقذهم منه برحمته . ألا ترى إلى قوله تعالى " ترهقها قترة " عبس : 41 ، " وترهقهم ذلة " يونس : 27 .
" الذين كسبوا السيئات جزاء السيئة مثلها وترهقهم ذلة ما لهم من الله من عاصم كأنما أغشيت وجوههم قطعا من الليل مظلما أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون " .
فإن قلت : ما وجه قوله : " الذين كسبوا السيئات جزاء السيئة مثلها " وكيف يتلاءم ؟ قلت : لا يخلو إما أن يكون " الذين كسبوا " معطوفا . على قوله : " للذين أحسنوا " يونس : 26 ، كأنه قيل : وللذين كسبوا السيئات جزاء سيئة بمثلها وإما أن يقدر : وجزاء الذين كسبوا السيئات جزاء سيئة بمثلها على معنى : جزاؤهم أن تجازى سيئة واحدة بسيئة مثلها لا يزاد عليها وهذا أوجه من الأول لأن في الأول عطفا على عاملين وإن كان الأخفش يجيزه . وفي هذا دليل على أن المراد بالزيادة الفضل لأنه دل بترك الزيادة على السيئة على عدله ودل ثمة بإثبات الزيادة على المثوبة على فضله . وقرئ : يرهقهم ذلة بالياء " من الله من عاصم " أي لا يعصمهم أحد من سخط الله وعذابه . ويجوز ما لهم من جهة الله ومن عنده من يعصمهم كما يكون للمؤمنين " مظلما " حال من الله . ومن قرأ : قطعا بالسكون من قوله : " بقطع من الليل " هود : 81 ، جعله صفة له . وتعضده قراءة أبي بن كعب : كأنما يغشى وجوههم قطع من الليل مظلم . فإن قلت : إذا جعلت مظلما حالا من الليل فما العامل فيه ؟ قلت : لا يخلو إما أن يكون " اغشيت " من قبل إن " من الليل " صفة لقوله : " قطعا " فكان إفضاؤه إلى الموصوف كإفضائه إلى الصفة وإما أن يكون معنى الفعل في " من الليل " .
" يوم نحشرهم جميعا ثم نقول للذين أشركوا مكانكم أنتم وشركاؤكم فزيلنا بينهم وقال شركاؤهم ما كنتم إيانا تعبدون " .
" مكانكم " ألزموا مكانكم لا تبرحوا حتى تنظروا ما يفعل بكم . و " انتم " أكد به الضمير في مكانكم لسده مسد قوله : ألزموا " وشركاؤكم " عطف عليه . وقرئ : وشركاءكم على أن الواو بمعنى مع والعامل فيه ما في مكانكم من معنى الفعل " فزيلنا بينهم " ففرقنا بينهم وقطعنا أقرانهم . والوصل التي كانت بينهم في الدنيا . أو فباعدنا بينهم بعد الجمع بينهم في الموقف . وتبرء شركائهم منهم ومن عبادتهم كقوله تعالى : " ثم قيل لهم أينما كنتم تشركون من دون الله قالوا ضلوا عنا " غافر : 73 ، وقرئ : " فزايلنا بينهم " كقولك : صاغر خذه وصعره وكالمته وكلمته . " ما كنتم إيانا تعبدون " إنما كنتم تعبدون الشياطين حيث أمروكم أن تتخذوا لله أندادا فأطعتموهم .
" فكفى بالله شهيدا بيننا وبينكم إن كنا عن عبادتكم لغافلين هناك تبلوا كل نفس ما أسلفت وردوا إلى الله مولاهم الحق وضل عنهم ما كانوا يفترون "