" وما كان الناس إلا أمة واحدة " حنفاء متفقين على ملة واحدة من غير أن يختلفوا بينهم وذلك في عهد آدم إلى أن قتل قابيل هابيل . وقيل : بعد الطوفان حين لم يذر الله من الكافرين ديارا " ولولا كلمة سبقت من ربك " وهو تأخير الحكم بينهم إلى يوم القيامة " لقضي بينهم " عاجلا فيما اختلفوا فيه ولميز المحق من المبطل وسبق كلمته بالتأخير لحكمة أوجبت أن تكون هذه الدار دار تكليف وتلك دار ثواب وعقاب . وقالوا : " ولولا أنزل عليه آية من ربهم " أرادوا آية من الآيات التي كانوا يقترحونها وكانوا لا يعتدون بما أنزل عليه من الآيات العظام المتكاثرة التي لم ينزل على أحد من الأنبياء مثلها وكفى بالقرآن وحده آية باقية على وجه الدهر بديعة غريبة في الآيات دقيقة المسلك من بين المعجزات وجعلوا نزولها كلا نزول وكأنه لم ينزل عليه آية قط حتى قالوا : " لولا أنزل عليه آية واحدة من ربه " وذلك لفرط عنادهم وتماديهم في التمرد وانهماكهم في الغي " فقل إنما الغيب لله " أي هو المختص بعلم الغيب المستأثر به لا علم لي ولا لأحد به يعني أن الصارف عن إنزال الآيات المقترحة أمر مغيب لا يعلمه إلا هو " فانظروا " نزول ما اقترحتموه " إني معكم من المنتظرين " لما يفعل الله بكم لعنادكم وجحودكم الآيات .
" وإذا أذقنا الناس رحمة منا من بعد ضراء مستهم إذا لهم مكر في آياتنا قل الله أسرع مكرا إن رسلنا يكتبون ما تمكرون " .
سلط الله القحط سبع سنين على أهل مكة حتى كادوا يهلكون ثم رحمهم بالحيا فلما رحمهم طفقوا يطعنون في آيات الله ويعادون رسول الله A ويكيدونه وإذا الأولى للشرط والآخرة جوابها وهي للمفاجأة والمكر : إخفاء الكيد وطيه من الجارية الممكورة المطوية الخلق . ومعنى " مستهم " خالطتهم حتى أحسوا بسوء أثرها فيهم . فإن قلت : ما وصفهم بسرعة المكر فكيف صح قوله : " أسرع مكرا " قلت : بلى دلت على ذلك كلمة المفاجأة كأنه قال : وإذا رحمناهم من بعد ضراء فاجئوا وقوع المكر منهم وسارعوا إليه قل أن يغسلوا رؤوسهم من مس الضراء ولم يتلبثوا ريثما يسيغون غصتهم . والمعنى : أن الله تعالى دبر عقابكم وهو موقعه بكم قبل أن تدبروا كيف تعملون في إطفاء نور الإسلام " إن رسلنا يكتبون " إعلام بأن ما تظنونه خافيا مطويا لا يخفى على الله وهو منتقم منكم . وقرئ : يمكرون بالتاء والياء . وقيل : مكرهم قولهم : سقينا بنوء كذا .
وعن أبي هريرة : إن الله ليصبح القوم بالنعمة ويمسهم بها فتصبح طائفة منهم بها كافرين يقولون : مطرنا بنوء كذا .
" هو الذي يسيركم في البر والبحر حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة وفرحوا بها جاءتها ريح عاصف وجاءهم الموج من كل مكان وظنوا أنهم أحيط بهم دعوا الله مخلصين له الدين لئن أنجانا من هذه لنكونن من الشاكرين فلما أنجاهم إذا هم يبغون في الأرض بغير الحق يا أيها الناس إنما بغيكم على أنفسكم متاع الحياة الدنيا ثم إلينا مرجعكم فننبئكم بما كنتم تعملون " .
قرأ زيد بن ثابت : ينشركم ومثله قوله : " فانتشروا في الأرض " الجمعة : 10 ، " ثم إذا أنتم بشر تنتشرون " الروم : 20 ، فإن قلت : كيف جعل الكون في الفلك غاية للتسيير في البحر والتسيير في البحر إنما هو بالكون في الفلك ؟ قلت : لم يجعل الكون في الفلك غاية التسيير في البحر ولكن مضمون الجملة الشرطية الواقعة بعد حتى بما في حيزها كأنه قيل : يسيركم حتى إذا وقعت هذه الحادثة وكان كيت وكيت من مجيء الريح العاصف وتراكم الأمواج والظن للهلاك والدعاء بالإنجاء . فإن قلت : ما جواب إذا ؟ قلت : جاءتها . فإن قلت : فدعوا ؟ قلت : بدل من ظنوا ؟ لأن دعاءهم من لوازم ظنهم الهلاك فهو ملتبس به . فإن قلت : ما فائدة صرف الكلام عن الخطاب إلى الغيبة ؟ قلت : المبالغة كأنه يذكر لغيرهم حالهم ليعجبهم منها ويستدعي منهم الإنكار والتقبيح . فإن قلت : ما وجه قراءة أم الدرداء : في الفلكي بزيادة ياء النسب ؟ قلت : قيل هما زائدتان كما في الخارجي والأحمري . ويجوز أن يراد به اللج والماء الغمر الذي لا تجري الفلك إلا فيه