" لو شاء الله ما تلوته عليكم " يعني أن تلاوته ليست إلا بمشيئة الله وإحداثه أمرا عجيبا خارجا عن العادات وهو أن يخرج رجل أمي لم يتعلم ولم يستمع ولم يشاهد العلماء ساعة من عمره ولا نشأ في بلد فيه علماء فيقرأ عليهم كتابا فصيحا يبهر كل كلام فصيح ويعلو على كل منثور ومنظوم مشحونا بعلوم من علوم الأصول والفروع وأخبار مما كان وما يكون ناطقا بالغيوب التي لا يعلمها إلا الله وقد بلغ بين ظهرانيكم أربعين سنة تطلعون على أحواله ولا يخفى عليكم شيء من أسراره وما سمعتم منه حرفا من ذلك ولا عرفه به أحد من أقرب الناس منه وألصقهم به " ولا أدراكم به " ولا أعلمكم به على لساني . وقرأ الحسن : ولا أدراتكم به على لغة من يقول : أعطاته وأرضاته في معنى أعطيته وأرضيته وتعضده قراءة ابن عباس : ولا أنذرتكم به . ورواه الفراء : أولا ادرأتكم به بالهمز . وفيه وجهان أحدهما : أن تقلب الألف همزة كما قيل : لبأت بالحج . ورثأت الميت وحلأت السويق وذلك لأن الألف والهمزة من واد واحد . ألا ترى أن الألف إذا مستها الحركة انقلبت همزة . والثاني : أن يكون من درأته إذا دفعته وأدرأته إذا جعلته دارئا . والمعنى : ولا جعلتكم بتلاوته خصماء تدرؤونني بالجدال وتكذبونني . وعن ابن كثير : ولأدراكم به بلام الابتداء لإثبات الادراء ومعناه : لو شاء الله ما تلوته أنا عليكم ولأعلمكم به على لسان غيري ولكنه يمن علي من يشاء من عباده فخصني بهذه الكرامة ورآني لها أهلا دون سائر الناس " فقد لبثتم فيكم عمرا " وقرئ : عمرا بالسكون . يعني : فقد أقمت فيما بينكم يافعا وكهلا فلم تعرفوني متعاطيا شيئا من نحوه ولا قدرت عليه ولا كنت متواصفا بعلم وبيان فتتهموني باختراعه " أفلا تعقلون " فتعلموا أنه ليس إلا من الله لا من مثلي . وهذا جواب عما دسوه تحت قولهم : ائت بقرآن غير هذا من إضافة الافتراء إليه .
" فمن أظلم ممن أفترى على الله كذبا أو كذب بآياته إنه لا يفلح المجرمون " .
" ممن أفترى على الله كذبا " يحتمل أن يريد افتراء المشركين على الله في قولهم : إنه ذو شريك وذو ولد وأن يكون تفاديا مما أضافوه إليه من الافتراء .
" ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله قل أتنبئون الله بما لا يعلم في السموات ولا في الأرض سبحانه وتعالى عما يشركون " .
" ما لا يضرهم ولا ينفعهم " الأوثان التي هي جماد لا تقدر على نفع ولا ضر . وقيل : إن عبدوها لم تنفعهم وإن تركوا عبادتها لم تضرهم ومن حق المعبود أن يكون مثيبا على الطاعة معاقبا على المعصية . وكان أهل الطائف يعبدون اللات وأهل مكة العرى ومناة وهبل وإسافا ونائلة " و " كانوا أيقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله وعن النضر بن الحرث : إذا كان يوم القيامة شفعت لي اللات والعزى " أتنبئون الله بما لا يعلم " أتخبرونه بكونكم شفعاء عنده وهو إنباء بما ليس بالمعلوم لله وإذا لم يكن معلوما له وهو العالم الذات المحيط بجميع المعلومات لم يكن شيئا لأن الشيء ما يعلم " به " ويخبر عنه فكان خبرا ليس له مخبر عنه . فإن قلت : كيف أنبأوا الله بذلك ؟ قلت : هو تهكم بهم وبما ادعوه من المحال الذي هو شفاعة الأصنام وإعلام بأن الذي أنبؤا به باطل غير منطو تحت الصحة فكأنهم يخبرونه بشيء لا يتعلق به علمه كما يخبر الرجل الرجل بما لا يعلمه . وقرئ : أتنبئون بالتخفيف . وقوله : " في السموات ولا في الأرض " تأكيد لنفيه لأن ما لم يوجد فيهما فهو منتف معدوم " تشركون " قرئ بالتاء والياء وما موصولة أو مصدرية أي عن الشركاء الذين يشركونهم به أو عن إشراكهم .
" وما كان الناس إلا أمة واحدة فاختلفوا ولولا كلمة سبقت من ربك لقضي بينهم فيما فيه يختلفون ويقولون لولا أنزل عليه آية من ربه فقل إنما الغيب لله فانتظروا إني معكم من المنتظرين "